مرة جديدة يثبت «النظام» في لبنان أنه أقوى من أن تهزه أو تهدده العواصف السياسية والأزمات الاقتصادية وحتى الثورات الشعبية.
ها هي المنطقة العربية من حوله تعيش، بدولها جميعاً، اضطرابات عنيفة تخلخل مقوماتها وتسقط أنظمتها العاتية، في ما أطلق عليه الغرب الأميركي تسمية «الربيع العربي» بينما «النظام» في لبنان صامد، ثابت، ومتين الأركان بأكثر من «عدوه» الإسرائيلي!
سقط الطاغية وليد المخابرات في تونس الخضراء، وسقط «الفرعون» الذي كان يحبس مصر المحروسة في عجزه، وسقط الأخ معمر وجماهيريته المبتدعة في ليبيا بعد دهر من حكم من اعتبر نفسه مكمل «الرسالة»، واصطُنع حل مؤقت لحكم علي عبد الله صالح الدائم في اليمن السعيد، وتوالت ارتدادات ملكية عنيفة في البحرين، وتفجرت عواصف دموية في سوريا تكاد تذهب بالبلاد والعباد قبل أن تُعرف نهاية مؤكدة للصراع الدولي المفتوح بين نظامها الأبدي ومعارضاته متعددة الولاء والتمويل والتسليح والأغراض.
… إلا لبنان «يا قطعة سما» فأحواله عال العال لولا بعض الهنات الهينات كقطع الطرقات بغير إنذار، وفك الاعتصامات بغير تبرير، وإطلاق المتهمين بجرائم من غير تفسير، واعتقال حماة الدولة من أجل تحصين النظام.
… ولأن النظام صامد يمكن لأهل الدولة ان يستمتعوا بإجازة الصيف، وهكذا انتشروا يستجمون في منتجعات الداخل والخارج
رئيس الجمهورية في دار الإمارة الشهابية في بيت الدين، ضيفاً على الأمير بشير الثاني الكبير ووريثه الجنبلاطي الأكبر،
.. ورئيس المجلس النيابي رهين المحبسين لأسـباب مفهـومـة وإن كانت غـير معلـومة، يقوم على حراسته الباسل جبران بتفويض مطلق!
أما رئيس الحكومة فبعضه يتريض في لندن، على هامش الأولمبياد، وبعض يستجم في كان، وبعض ثالث يؤدي الصلاة في مساجد طرابلس بضيافة سادتنا العلماء، وبعض رابع قابع في السرايا حتى لا يدهمها مداهم، وبعض خامس يراجع ميزان الربح والخسارة فيطمئن إلى أنه باقٍ بحكم الضرورة، ولا بديل، فينام قرير العين تاركاً السهر على البلاد للآخرين.
وأما السادة الوزراء (والنواب!!) فيتناثرون بين منتجعات الخارج التي لا ينقطع فيها التيار الكهربائي ويمكن توليد التيار والطاقة بلا وزير ولا مياومين ولا بواخر تأتي ولا تأتي، وبين مصايف الداخل حيث لكل فندق مولده الخاص، وإن كانت الماعز قد هجرت مراقدها طلباً للماء!
… وتبقى الدولة، أو ما تبقى منها برعاية القديس شربل ومروانه المتحرك!
أهل «النظام» مطمئنون إلى ان «الربيع العربي» الذي يرعاه الأصدقاء الأميركيون لن يشمل لبنان الأخضر. لقد سمعوا هذا التأكيد من موفد وثان وثالث، كما ان السيدة السفيرة الأنيقة قد شددت: ان افتحوا حدودكم الشرقية والشمالية، واستضيفوا أو اتركوا لنا واجب الضيافة وانأوا بأنفسكم واتركوا لنا هذه المهمة النبيلة، واذهبوا إلى النوم هانئين! فقط، لا تقفلوا حدوداً، ولا تعيدوا سجيناً هارباً، ولا تتدخلوا في ما لا يعنيكم ودعوا الأمور تجري في ما اختاره الله وأولياؤه والقيمون على شؤون الدين الحنيف. لا تخافوا ولا تجزعوا. صحيح أن أنظمة صديقة هي التي سقطت، لكن أنظمة أعمق صداقة هي التي تجيء بإذن الله سبحانه وتعالى.
[ [ [
المسألة التي تقلق أهل «النظام» الآن هي ان هذا «النظام» ـ المعجزة لن يبقى أسير احتكارهم ومصدر فخارهم.
المسألة أن «النظام» الذي كان فريداً، لن يبقى امتيازاً لهم.
المرجح أن يجري تعميم هذا النموذج الفريد، بحيث يكون لكل دولة عربية اجتاحتها رياح التغيير تحت الرعاية الأميركية «نظام لبناني» بنسبة ما. حيث لا طوائف يمكن اعتماد المذاهب، وحيث الدين واحد يمكن اعتماد الأعراق والأجناس والقوميات.
«اللبننة»: ذلك هو الوباء الجديد الذي سوف يجري تعميمه على هذه المنطقة التي كانت واحدة فتشظت كيانات مقتتلة في داخلها ومصطرعة في ما بين قومياتها وطوائفها إلى يوم الدين.
[ [ [
هي تخاريف رمضانية؟! الله أعلم!.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان