اكتمل نصاب الطائفية. قانون انتخابي وفق القيد الطائفي صُدق عليه بلا نقاش. الأفضلية في التشريع هي للغرف السوداء، ولمعشر الصفقات. لا مفر من ان تكون الطائفية هي البداية والنهاية، فلا علاج للطائفية عندما تتأزم، إلا بالمزيد منها.
ما كان يخجل منه طاقم السياسة القديم، بات موضوع تباه بالفم الملآن: “نحن المسيحيين” مقابل “نحن السنة” قرب “نحن الشيعة” وبالمعية “نحن الدروز” الى آخر أقلية مكتومة تطالب بحقها في التمثيل. لا عيب يدعوهم الى الخجل مما يرتكبون، هذا البلد لهم. هم إصحابه، وأحرار في أن يرتكبوا فيه المنكر الوطني.
الصفقة “القانونية” انتهت مقابل تمديد لسنة إضافية إلا شهراً واحداً. ستبدأ مرحلة العراك قريباً، لترتيب التحالفات المخزية، والتي لا مثيل لها في العالم. حزب الرئيس حليف “القوات” و”حزب الله”، فيما “القوات” و”حزب الله” أضداد بالكامل، وحزب الرئيس حليف جديد لتيار “المستقبل”، و”المستقبل” و”حزب الله” ضدان بالتمام والكمال، وتيار “المستقبل” حليف رجراج “للقوات”. خليط عجيب. و”حزب الله” حليف “أمل” و”التيار”، فيما “أمل” و”التيار” خطان متوازيان لا يلتقيان، إلا على الاقتسام، لا غير. وينضم الى هذه التحالفات وليد جنبلاط ليجد له مكانا في أي تحالف، فيما سليمان فرنجية حليف “حزب الله” خصم عنيد للحليف الأول، ميشال عون.
لا يمكن ان يحدث مثل هذا في أي بلد. لبنان نموذج في ابتداع الصفقة تلو الصفقة، من دون أن يحمر أحد خجلاً … فالبلد، ملكهم، وهم أحرار في سفكه على أمل الفوز بحصة اضافية منه. أما من هم خارج طوائفهم، فلا أحد يعترف بهم. هؤلاء، لا يتسع لهم لبنان لأنه البلد مرتهن، منذ نشأته، لتحالف الأضداد الطائفية.
بعد غد الخميس، يلتقي رئيس الجمهورية رؤساء الأحزاب والكتل النيابية الممثلة في مجلس الوزراء. يفترض النظر الى هذا الحدث بنية سيئة، إذ لا يجوز منح الثقة أو التفاؤل، بلقاء زعماء في سيرتهم ما يشبه سرة آل كابوني. منظومة معروفة ومفضوحة ولا خير أبداً يرجى منها. لا اليوم ولا غداً، وما كان منها بالأمس غير التعصب وما ينتمي الى منظومة العصابة. ولو لم يكن ذلك كذلك، لما تم تهريب القانون في المجلس بمادة وحيدة.
سيتلو عليهم الرئيس ما يشاء من رغبات وموضوعات. بهدف تفعيل العمل الحكومي، سيطلب منهم تسهيل عمل الوزارات. سيحثهم على التوافق. سيدعوهم الى التقيد بالدستور والالتزام بالقوانين. سيشير اليهم بضرورة محاربة الفساد وإعادة الحياة السوية الى المؤسسات..
على من يتلو الرئيس مزاميره؟ هل يظن أنه القدوة؟ أم يقر بأن الوزير جبران باسيل يحتذى؟ أو أن سنة اضافية من عمر حكومة تصريف الأعمال بالتي هي أحسن ستكون محصلة انتاجها، تأمين الكهرباء؟ تنظيف الليطاني؟ النجاح في تنقية البيئة من النفايات؟ انتظام المساءلة والمحاسبة، نيابياً وقضائياً؟ إعطاء المعلمين والموظفين ما يستحقونه مع مفعول رجعي؟ هل يظن الرئيس انه يمكن تجاوز المحاصصة في التعيينات؟ هل يهنئهم على قانون انتخابي، تم الاتفاق على معظم نتائجه قبل الموسم العتيد؟
تفترض النية السيئة كل ذلك وأكثر، والسبب هو اننا نعرفهم جميعاً، ولم يأت منهم غير ما يفتن البلد ويفقره ويحطه ويستحلب خيراته. لم نعرفهم إلا قادة الهدر والفساد والانقسام، دليلنا، أن الشكوى من الفساد، لم تدخل أحداً الى السجن، لم تحاكم أحداً بعد، لم تحل ملفاً الى العدالة، لم تجب عن سؤال لماذا لم ينعم اللبنانيون بالكهرباء، بعد 22 عاماً من الانفاق عليها؟ دليلنا، ان هذا القانون الانتخابي، سيعيد انتاج زعماء، آليات الفساد والهدر والسرقة.
نخشى أن ما قيل عن مجلس شيوخ سيكون موضوع بحث مع الزعماء. هذه بدعة بحجم السرقة. مجلس الشيوخ الذي نص عليه “الطائف” يُؤلف بعد إقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي. حتى الآن، وفي عز ارتكاب هذا القانون الوليد، لم يشر أحد الى قانون انتخابي لا طائفي. بل أمعنوا في التطبيق العلني والسري. وهؤلاء، لا يعترفون إلا بما يؤمن لهم اتباعاً، يسيرون خلفهم كالماشية، بلا عقل ولا قيم.
لا نعول من هذا اللقاء، إلا المزيد من الأخطاء. لأن القاعدة اللبنانية تؤكد، أن كل توافق يتم بين الطوائف، هو على حساب الوطن، ويصب في مصلحة زعماء العشائر الطائفية .
هل من أمل بعد؟
يصعب ذلك.