نتمنى أن يكون الوقت ما زال يسمح للبطريرك الماروني الكاردينال صفير بمراجعة البرنامج الذي أعد لجولته الرعوية في بعض أنحاء الشوف وعاليه، تمهيدا لتعديله بما يتناسب مع دور بكركي الوطني، وتحصينا لهذه الجولة من سوء التفسير الذي سيستند إلى سوء التقدير في تحديد محطاتها، وبالذات في تحديد خاتمتها في جزين، واختيار الطريق إليها، ذهابا وإيابا، من خارج الجنوب الذي تنتمي إليه تراثا وموقعا، في الإدارة والسياسة وأسباب الحياة، بماضيها وحاضرها ومستقبلها.
لقد أثار البرنامج، فور طرحه، موجة من التساؤلات السياسية حول هذه الجولة المبتورة، كما استولد قدرا من المرارة في نفوس الجنوبيين عموما، الذين كانوا وما زالوا يتمنون أن يجيئهم البطريرك صفير ليبارك جهدهم في تحرير هذه الأرض، وليشاركهم فرحتهم بهذا الإنجاز الوطني التاريخي، خصوصا وأنهم قد قدموا تحت لواء المقاومة المجاهدة دماءهم رخيصة، وعلى امتداد عشرين سنة، حتى أجبروا الاحتلال الإسرائيلي على الجلاء بغير أن يجبر لبنان على دفع الثمن باهظا، في السياسة، من سيادته واستقلاله وكرامة شعبه.
لم يفهم أحد لماذا فرض على البطريرك أن يسلك إلى جزين طريقا فرضتها ذات يوم الظروف القاهرة، التي أسقطها نصر التحرير، بدلاً من أن يصلها عبر طريقها الطبيعي: من عاصمتها صيدا، مرورا بقرى شرقي صيدا التي تعرضت في ظروف الاحتلال للتهجير، ولكن أهلها هم الوحيدون الذين عادوا إلى أهلهم وبيوتهم وأملاكهم، بالكامل تقريبا، فور جلاء المحتل الإسرائيلي؟!
ولم يفهم أحد لماذا اقتطعت جزين من الجنوب، وألحقت بالشوف، بينما هي من الجنوب في صميمه، ثم أنها إحدى بواباته إلى البقاع كما إلى الشوف،
.. ولماذا لم تشمل الجولة الرعوية سائر الجنوب: قانا بعد صيدا، ثم صور التي باركها السيد المسيح بإقامته فيها بعض الوقت، ثم كل المنطقة المحررة بدءاً بالناقورة وانتهاء ببنت جبيل، مرورا بعلما الشعب ورميش وعين إبل، وصولاً إلى مرجعيون، مع وقفة خاصة في الخيام تقديرا واحتراما للآلاف من الأسرى الذين حبسوا في معتقلها الحصين على امتداد دهر الاحتلال، وانتهاء بإبل السقي ومنها إلى حاصبيا وراشيا وبعض البقاع الذي كان في الأسر وعاد إلى الوطن والى الحرية مع النصر المجيد؟!
إن البطريرك صفير يعلم علم اليقين أن محاولات عديدة وخبيثة قد جرت لتشويه التحرير وتشويه المقاومة، تارة بإثارة النعرات والحساسيات الطائفية، وطوراً بتصوير هذا الإنجاز التاريخي وكأنه انتصار لفئة على فئة… وكان من شأن جولته لو أنها شملت هذه المناطق المحررة أن تُسقط كثيرا من الدعايات والادعاءات الإسرائيلية أو التي نشرها بعض الذين كانوا مستفيدين من الاحتلال، وأن تحفظ للنصر (الذي لكل لبناني، بل ولكل عربي، فيه نصيب) وهجه، بما يسمح بتوظيفه في تحصين لبنان وفي تعزيز وحدته الوطنية، وفي خلق مناخ أكثر صحة لبناء الدولة ومؤسساتها،
لقد سمع البطريرك كثيراً عن الجنوب وعن المقاومة، بعد التحرير، وكان الكثير مما سمع لا يعكس الحقيقة، بل كان يصدر عن متضررين من جلاء الاحتلال، او متخوفين من ان يحاسبوا على ما ارتكبوه عبر التعامل مع المحتل، وان كانوا قد اجتهدوا لاضفاء طابع طائفي على »العمالة« علماً بان »المتعاملين« قد تجاوزوا الطائفية والمذهبية فكان فيهم من »يمثل« كل طائفة وبحسب عديدها..
لقد كانت الجولة، لو لم يبترها البرنامج المقترح، فرصة مزدوجة: للبطريرك الماروني لكي يعيش لحظة فرح مع اهله في الجنوب المحرر، وللجنوبيين كي يشعروا بان كل اهلهم يقدرون لهم ما بذلوه وما تحملوه من اجل التحرير، ثم لكي يساندهم الجميع في مطلبهم الحق بان تعوض المناطق المحتلة وان تحصن بغير الخط الازرق حتى لا يخرقها الاحتلال من دون عسكر، وحتى لا تظل المقارنة قائمة بين »الرفاه« الذي عاش بعضهم فيه في ظل العدو الاسرائيلي، وبين »الاهمال« الذي يلقونه الان، ويكاد يبدو وكأنه »عقوبة« جزاء اسهامهم بدمائهم في صنع النصر الوطني العظيم.
اننا نتمنى ان يعيد البطريرك صفير النظر في البرنامج المقترح لجولته: فإما ان يجعلها شاملة للارض المحررة، او يصحح طريقها، وهذا اضعف الايمان، مزيلا اي التباس سياسي حول »البوابة« ومن ثم اي سوء تفسير لهذه الزيارة المبتورة.
والبطريرك احرص الناس على دخول البيوت من أبوابها…
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان