ينفتح الباب فإذا أنت وجهاً لوجه معه، بقامته الفارعة الطول وابتسامته المشرقة ويده الممدودة للسلام، ثم يصر أن تتقدمه إلى المكتب المتواضعة رياشه، ويدعوك إلى الجلوس وهو واقف، ومع استقراره في مقعده، تلتفت إلى ما حولك كأنما لتتأكد أنك في مكتب لرئيس الجمهورية.
ومن هنا تبدأ الرحلة مع فرادة الرئيس الدكتور بشار الأسد.
من النافذة المظلّلة بأغصان شجرة زادتها مواسم الخير خضرة، تبدو دمشق الجاثمة عند سفح قاسيون كما كانت دوماً، راسخة برغم تبدل الحقب.
أمام النافذة مكتب الرئيس، وإلى يساره صورة كبيرة لوالده الرئيس الراحل حافظ الأسد، أما إلى اليمين فثمة لوحتان زيتيتان: الأولى تمثل علم فلسطين العلم العربي وهو علم حزب البعث، والثانية للعلم السوري مرفرفاً، تحتهما جهاز تلفزيون صغير. وأمام المكتب ثلاث كنبات تتسع كل منها لشخصين، وتزيّن المكتب مجموعة كبيرة من المنحوتات المعاصرة.
هو ابن النظام العربي بالوظيفة ولكنه يحاول ألا يخون نفسه وأفكاره وواجبه. وهو ابن جيله وليس خائناً له. وفي كلامه دوماً ما يؤكد أنه لا يتنصل ممن سبقوه، بل هو على العكس استمرار لهم، لثوابتهم، يعالجها بلغة تناسب العصر. لكنه يشبه أبناء جيله. ليس مجرد استمرارية.
خلال الحوار الطويل (إذ كان كريماً معنا بالوقت) لم يرفض الإجابة على أي سؤال، وإن كان رغب في إبقاء بعض إجاباته في خانة معلوماتنا الخاصة، ولم يظهر الضجر من أسئلتنا المتنوعة، وبينها المثير والشائك والدقيق بملامسته لمسائل حساسة.
ومع الوقت يتأكد الحضور اليقظ لهذا الرئيس الشاب الذي تصعب مباغتته ويكاد يستحيل إحراجه: لكأنه أعد نفسه للأصعب، وحاكم القضايا المطروحة محاكمة عقلانية وناقش (من قبل) الاحتمالات المختلفة، وما يمكن أن يترتب على كل موقف من نتائج عملية، وبذلك صار حاضراً تماماً.
لا يتصل الأمر بالبراعة، إنه يتصل بوضوح الموقف: لا غلو في ادعاء القدرة، ولا أوهام في تبدل مفاجئ في موازين القوى. لا رعب في مواجهة من يتقصدون إرهاب الآخرين بجبروت قوتهم، ولا مبالغة في تقدير فعالية ما هو بحت معنوي في إلحاق الهزيمة الفورية بأصحاب خطة الهيمنة على الكون.
لكأن عقله مبرمج : لكل احتمال خطة مواجهة، مع ترك مساحة محدودة لاحتمال الخطأ في التقدير أو الخطأ في الاستنتاج.
شكرناه لان المصادفة جعلت الموعد مع دخول السفير سنتها الثلاثين، ثم طرحنا عرضاً للمسائل التي سنتوجه اليه بالسؤال حولها، فرحب مبدياً الاستعداد لفتح وقته ليجيب على مختلف الاسئلة، مقدراً حراجة اللحظة السياسية التي لا تحتمل الالتباس في المواقف او التمويه عليها.
وهكذا فلقد سألناه وأجابنا برحابة صدر عن كل ما يشغل بال المواطن العربي في كل ارضه:
? العدوان الاميركي البريطاني على العراق، بداية، بطبيعة الحال، وما يظهره الشعب والجيش في العراق من بسالة في مواجهته.
? الانتفاضة في فلسطين وما تتعرض له على ايدي بعض العرب ، قبل العدو، ولخدمته.
? العلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية من قبل واليوم. ثم موقع لبنان فيها، في ضوء توصيف كولن باول الوجود السوري في لبنان بالاحتلال.
? العلاقات مع تركيا ومسيرة تطورها.
? العلاقات مع ايران، ونتائج زيارته الاخيرة الى طهران ومناقشاته مع قيادتها.
? العلاقات مع اوروبا بشعوبها الغاضبة بل الثائرة على العدوان على العراق بوصفه في سياق خطة الهيمنة الاميركية على العالم، وموقف الفاتيكان والبابا بتأثيراته المنطقية على العلاقات الاسلامية المسيحية عموماً وعلى لبنان ومسيحييه خصوصاً ودور بكركي كمرجعية دينية ذات دور مؤثر.
? ثم المعضلة الدائمة: العلاقات اللبنانية السورية وما يعتورها من إشكالات..
والحق أنه كان كريماً في وقته، صريحاً في اجاباته المحددة، لا يوارب، مع حرص شديد على الدقة في استخدام المصطلحات حتى لا يذهب بها التقدير او الغرق في غير المعنى المقصود.
؟ نبدأ البداية الطبيعية. إن الحدث يفرض نفسه حالياً. هذه الحرب العدوانية التي بدأ بشنها الأميركيون والبريطانيون على العراق. سيادتكم كنتم بدأتم تعطون ملامح عنها لأن لها منظوراً تاريخياً ولها واقعها المادي المباشر، ولها تأثيرها المباشر، وقد يكون خطيراً جداً على صورة الأمة العربية وصورة العرب عامة، وليس العراق فقط.
نرغب من هذا المدخل وهذا الحدث الدخول إلى الرؤية التاريخية لما يحصل وبعدها السياسية. الأولى كمنظور تاريخي، وأين موقع هذه الحرب في سياق الحركة الامبريالية الجديدة أو حركة النظام العالمي الجديد كما يسميها الأميركيون، من قراءة لأهدافها كما ترونها والتداعيات المتوقعة، خصوصاً بعدما بدا من المقاومة التي لم تفاجئ سيادتكم ولم تفاجئنا، ولكنها بالتأكيد فاجأت العدو. خاصة أن وزير الخارجية الأميركي اعتبر أن هذه إعادة تشكيل للشرق الأوسط ككل.
? الرئيس الأسد: بالنسبة للدخول من المداخل التاريخية لتحليل ما يحدث، أعتقد أن الوضع الحالي تحديداً والحرب وما سبقها يمكن أن يجعلنا نتخلى عن الجانب التاريخي لأن كل شيء أصبح واضحاً. الخوض في الأمور التاريخية يدخل في عوامل مختلفة لها علاقة بالقوى العظمى، بريطانيا وفرنسا وأميركا. هذا صراع قوى عظمى. ونحن كنا ضمن هذه اللعبة.
كيف نظرنا إلى سايكس بيكو في ذلك الوقت وكيف نظرنا إلى وجود إسرائيل وحرب عام 1948. كنا دائماً ننتقل من خطأ إلى خطأ أحياناً من دون قصد. كنا ننظر إلى سايكس بيكو على أنها تقسيم لمنطقة ونحن كمواطنين عرب نحزن لأنه جرى تقسيمنا ونتعامل معه من المنطلق العاطفي كحدث مؤقت.
في عام 1948 حزنّا عندما احتلت فلسطين، ولكن لم نفكر أن ما حدث عام 1948 كان نتيجة للمؤتمر الصهيوني الذي انعقد في نهايات القرن التاسع عشر وأنها كانت خطة . يجب أن نفرّق بين العاصفة والمخطط. فهناك فرق كبير بينهما، وما يحصل هو مخطط وليس عاصفة. فالعاصفة تأتي وتمر. إذاً هو ليس عاصفة بل مخطط، ولذلك هناك فرق بين التعامل مع العاصفة بالانحناء لها. ويعتبر البعض ذلك حكمة، وقد تكون كذلك في بعض الأوقات، وبين التعامل مع المخطط. فالمخطط لا يمكن لك أن تنحني أمامه. البعض انحنى عن حسن نية والبعض عن سوء نية والبعض واجه، ولكن الكل كان يعمل ضمن تصرف مرحلي في وقتها. فالذي لم يفكر قبل خمسين عاماً كيف بدأت فكرة قيام فلسطين لم يفكر طبعاً كيف ستكون الحالة بعد خمسين عاماً.
العراق وفلسطين
أنا أعتقد أن الموضوع العراقي لا ينفصل عن الموضوع الفلسطيني، سواء أتم النظر إليه من داخل الإدارة الأميركية، أو من خلال اللوبي الصهيوني الموجود داخل هذه الإدارة، أو بالنسبة لتأثير الإسرائيليين الملحوظ من خلال هذا اللوبي على الإدارة الأميركية. وإذا ما أخذنا الجانب التاريخي من دون الدخول في التفاصيل، فإن فيها مصالح قوى كبرى، وفيها أخطاء الدول العربية، وفيها مصالح العدو الإسرائيلي المعروفة تماماً توجهاته.
ما قصدته أنه أصبح هناك اليوم نوع من الوضوح ولم يعد بإمكاننا أن نحلل على هوانا. لأن الواقع الذي نراه اليوم أصبح هو الذي يشرح التاريخ. كنا سابقاً نحلل التاريخ لمعرفة ماهية الواقع. اليوم ليس هناك من داع لتحليل الواقع لأنه محلل ومبسط.
التقسيم يشرّع إسرائيل
هم خلعوا الأقنعة، فقالوا إنهم يريدون النفط وإعادة رسم المنطقة بالتقاطع مع المصالح الإسرائيلية. فإسرائيل لها مصلحة في تقسيم العراق إلى دويلات طائفية وقومية وعرقية لتصبح إسرائيل مصدر شرعية من ناحية اجتماعية. هناك دول ذات قوميات مختلفة في الشرق الأوسط لكنْ هناك تقاطع اجتماعي وتاريخ مشترك. مع اختلاف القوميات داخل الشعب الواحد فإن شكل التركيبة الاجتماعية متشابه في المنطقة بشكل عام. إسرائيل تركيبتها شاذة، دولة من لون واحد هو لون ديني وديموقراطيتها ضمن هذا اللون الواحد وليست ديموقراطيتها ضمن حدود الدولة. إذاً فلا يمكن أن تكون إسرائيل دولة شرعية لو تحققت عملية السلام لأن شكلها يبدو شاذاً عن المنطقة وربما عن العالم كله. ولكن عندما تكون هناك دويلات مثلها من لون واحد ذات قومية شرعية دينية طائفية، تصبح إسرائيل شرعية.
هذا الأمر يمكن أن يظهر تماماً المصلحة الإسرائيلية. وهي هنا ليست بالضرورة متقاطعة في هذه النقطة مع المصلحة الأميركية. أميركا يهمها أن ترتب المنطقة بالطريقة التي ترتئيها. قد يهمها أن ترتبها على شكل دول كبيرة أو صغيرة، لكن إسرائيل تريد التقسيم على قاعدة عرقية أو دينية أو طائفية، واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة له تأثيره. أي أن إعادة ترتيب المنطقة والسيطرة على ثروات المنطقة بشكل أو بآخر، سيخدم إسرائيل من خلال سيطرتها في الإدارة الأميركية.
البعض يرفض الحقيقة
ولكن أعود وأؤكد على الأخطاء العربية. ولا أربطها باليوم أو بالعام الماضي أو سنوات قبله. أنا أقول إن أخطاء من هذا النوع تأخذ عقوداً للتراكم. عندما نخطئ في فهم ما حصل عام 1948 نخطئ أيضاً في فهم هذه الحرب على العراق على حقيقتها، وعندما نتعامل مع هذه الحرب بالشكل المادي وكيف تنتهي ومن يربح ومن يخسر فمعنى ذلك أننا لا نرى نهاية المخطط. وبالرغم من أن الدولة نفسها صاحبة المشروع، أي الولايات المتحدة، تعلن ذلك ولكن البعض يرفض أن يرى الحقيقة.
طائر خارج سربه
؟ من خلال مواقفكم في القمم العربية ولا سيما قمة شرم الشيخ ثم في خطابكم أمام مجلس الشعب كنتم كأنكم طائر يغرد خارج سربه كأنكم خارج هذا النظام العربي، وفي موقف منفرد إلى حد كبير. وبالتأكيد هذا يزعج النظام العربي. فإلى أي حد تعتبرون أنفسكم من داخل هذا النظام أو من خارجه وأنتم في صلبه وضمنه؟ طبعاً استمعنا إلى تشخيصكم لهذا النظام، الذي يواجه الآن أيضاً تحدياً خطيراً في هذه الحرب العدوانية الأميركية، ويبدو مجمل النظام العربي وكأنه متواطئ مع هذه الحرب التي تنطلق من أرض عربية. وأدوات العدوان تستخدم أرضاً عربية إضافة إلى السماء العربية والمياه العربية والغطاء العربي.
وزير خارجية قطر بالأمس في الجامعة العربية، على سبيل المثال، كان صريحاً إلى حدّ الفجاجة في تبرير الاحتلال في مجال الرد على الموقف السوري. هل تعتقدون أن هذه الحرب تحمل نهايات النظام العربي على الأقل بالصورة التي يمكن أن تشكل فيها نقطة نهاية، نقطة تعديل جدي وجذري في تكوين هذا النظام العربي؟
لقد حضرتم حتى الآن أربع قمم عربية وأعتقد أنه أصبح لديكم توصيف كامل لهذا النظام. هذه الصدمة جديدة، وكانت قبلها صدمة فلسطين.. هذه الصدمة العنيفة جداً التي تحمل تداعيات مفتوحة إلى أي حد يمكن أن تشكل خطراً جدياً على النظام أو تفرض عليه أن يعدل نفسه؟
? الرئيس الأسد: إذا كان النظام مجموعة من المسؤولين فأنا جزء من النظام العربي بالوظيفة، وبالتالي أنا أتحمل جزءاً من سلبيات وإيجابيات هذا النظام بغض النظر عمن يخطئ أكثر ومن يخطئ أقل. أما بالنسبة لموضوع (السرب) فالأمر يتوقف على تعريف السرب وهل هو مجموعة الحكام أو هو الشعب العربي. وهل هما سرب واحد أو سربان؟ لكن إذا كان السرب الأساسي هو الشعب العربي فخطاب القمة يقيَّم من خلال الناس. إذا قبل الناس هذا الخطاب فأنا من السرب وإذا ما رفضوه فأنا خارج السرب. أما إذا كان تعريف السرب هو المواطنين فهذا هو الأمر الذي يهمني. وهذا الأمر يحدد من خلال المواطنين، من خلال قبولهم للكلام أو رفضهم للكلام وللمنطق الذي يحكم هذا الكلام، وشرعيته المسؤول الحقيقي هو من يكون في هذا السرب، وليس في أي سرب آخر.
فإذاً هم يقولون بأنني ضمن السرب ولست خارجه.
العرب ونموذج لبنان
أما بالنسبة لتأثير الحرب فأنا أعتقد أن كثيرين من المسؤولين العرب، خصوصاً في الأيام أو الأسابيع القليلة التي سبقت الحرب، كانوا يعطون صورة مغايرة للصورة التي شاهدناها، أعني موضوع سقوط النظام، موضوع سقوط الدولة. نحن كان رهاننا دائماً أن أي وطن في الأزمات يجب أن يتوحد. اليوم القضية ليست من أخطأ مع من ومن عادى من. الأمر السليم لأية دولة أن تتوحد الآراء حول القضية الوطنية الكبرى. فكيف إذا كانت القضية قضية عدوان واحتلال. وبأي منطق يمكن أن تكون المعارضة معارضة لنظام ولكنها موالاة لاحتلال؟ المعارضة لنظام تكون في الشؤون الداخلية. أما في مواجهة الخطر الخارجي، فيفترض أن يكون الكلّ معارضاً. في هذه الحالة النظام والشعب يصبحان معارضين لأي احتلال. بالنسبة لنا في سوريا تنطلق وجهة نظرنا حول هذه المواضيع من تجاربنا. تجربتنا مع لبنان معروفة. ونحن نعتقد بأن لبنان هو أول تجربة حقيقية وواقعية لكل العرب. وكان هناك من يقول أن قوة لبنان في ضعفه. وقد ثبت لاحقاً أن قوة لبنان في قوته وقوة لبنان في مقاومته، وفي صموده.
عندما ابتدأ لبنان المقاومة كان بلداً صغيراً منقسماً. عندما انطلقت المقاومة كان هناك عملاء معلنون هم جيش لبنان الجنوبي. كان هناك من ساهم في احتلال بيروت. كان هناك من عمل بكل إخلاص من أجل عقد اتفاق 17 أيار واستمرت الشخصيات التي كانت وراء الاتفاق في العمل ضد مصلحة لبنان. ومع ذلك هزمت إسرائيل. فكيف بالنسبة للعراق وهو بلد عربي كبير بإمكاناته العلمية والمادية والبشرية وهو بكل تأكيد قادر أن يحقق مثل لبنان بالحد الأدنى وبالحد الأقصى أكثر.
لن يسيطروا على العراق
؟ هل فوجئتم بالمقاومة في العراق؟
? الرئيس الأسد: لا أبداً. ولذلك أقول وانطلاقاً من تجاربنا لم نفاجأ. التجربة الأصعب للمقاومة هي تجربة فلسطين. سوريا دعمت المقاومة في لبنان وساهمت في استعادة السيادة في الجزء الأكبر منه وانسحاب إسرائيل وانهزام إسرائيل. لكن اليوم الوضع في فلسطين مختلف، الفلسطيني مطوّق. هناك دول عربية تساهم في قمع الانتفاضة أكثر من إسرائيل نفسها. ومع ذلك عندما يقرر الشعب أن يقاوم فالنتائج واضحة. نرى نتائج الانتفاضة على إسرائيل بعد سنتين ونصف في كل المجالات. فالقضية ليست قضية أن قوة عظمى تهاجم. بالتأكيد الولايات المتحدة قوة عظمى تستطيع أن تحتل دولة صغيرة نسبياً ولكن هل تستطيع أن تسيطر؟ لن تستطيع الولايات المتحدة وبريطانيا أن تسيطرا على كل العراق. ستكون هناك مقاومة أشد بكثير. هذه الأمور كلها سوف تكشف زيف ادعاءات بعض المسؤولين العرب الذين عن قصد أو عن غير قصد أرادوا أن يروا أو يصوروا الحقيقة مختلفة عن الوضع الحالي. هذا الأمر ينعكس على الشعب العربي. ينعكس بصمود أكثر، برغبة أكثر بالمقاومة، وبعدم ثقة بطروحات بعض المسؤولين العرب.
التداعيات تعتمد على الشعوب
؟ في ضوء ما تقولونه فأنتم تتوقعون للوجود الأميركي على الأرض مقاومة أكثر. في رؤيتكم لتطورات الوضع الحالي إلى أين تتجه التداعيات عسكرياً بالنسبة للعراق ومن ثم دول المنطقة ومنها سوريا وإيران وسائر المنطقة؟
? الرئيس الأسد: منذ البداية كنت أقول إن الحرب سوف تدخلنا في المجهول. وتداعياتها تعتمد على ردود فعل الشعوب. وحتى الآن رد فعل الناس هو رد فعل رافض. ولكن لا أحد يدري إلى أين سيوصل هذا الرفض إلا المواطن نفسه. هل سيكون رد الفعل فقط تجاه المعتدي والمحتل إذا كان هناك احتلال؟ هل يكون رد فعله تجاه المؤيدين شفهياً أو مادياً لهذه الحرب؟ هل يكون رد فعله تجاه الحياديين من العرب إزاء هذه الحرب؟ ردود أفعال مختلفة وعلى مستوى أكثر من مئتين وخمسين مليون عربي. من الصعب أن نتوقع تماماً إلى أين تتجه الأمور، ولكن الأمر الوحيد الذي نراه واضحاً الآن أنها تتجه في اتجاه الصمود والمقاومة. هذا المصطلح بدأ يطرح الآن من جديد. يجب أن نصمد ويجب أن نقاوم. وحتى الصمود أصبح مرحلة متأخرة في الوضع الحالي. هناك مطالبة ملحة باتجاه المقاومة من قبل مختلف الشرائح من مثقفين ورجال علم والمواطن العادي وغيرهم. كل الشرائح تطرح هذا الطرح. وهذا الأمر يعتمد على النتائج العسكرية للحرب. الآن هناك مقاومة قوية جداً من الجيش والشعب في العراق. لكن لو نجح المخطط الأميركي ونتمنى ألا ينجح ونشك في أن ينجح وفي كل الأحوال ستكون هناك مقاومة شعبية عربية للاحتلال وقد ابتدأت.
الدفاع المشترك والتسهيلات
؟ هل هناك بين الاحتمالات احتمال انضمام أية دولة عربية إلى الحرب. وهل يمكن للحرب أن تستدرج دولاً أخرى؟
? الرئيس الأسد: الأمر المنطقي هو تطبيق اتفاقية الدفاع المشترك. وفق هذه الاتفاقية من الطبيعي عندما تتعرض دولة عربية للغزو أن تدافع عنها كل الدول العربية. بدلاً من تطبيق هذه الاتفاقية هناك من قدم التسهيلات لهذا العدوان في الوقت الذي رفضت فيه دول جارة تقديم مثل هذه التسهيلات.
الحل في المقاومة
؟ هل لديكم خوف من فلسطين ثانية في العراق بمعنى النكبة وليس بمعنى الظروف السياسية. الظروف مختلفة بين نكبة فلسطين عام 1948 وما يحدث في العراق الآن. لكن في الصورة العامة يبدو وكأننا نذهب الى أمر شبيه، هل عندكم خوف من هذا القبيل؟
? الرئيس الأسد: لو أردنا أن نقول نكبة فلسطين كنا قلنا نكبة لبنان. لبنان وقع تحت الاحتلال الإسرائيلي حتى العاصمة، ولم نعتبر ذلك نكبة. لماذا؟ لأنه كان واضحاً تماماً أن هناك إمكانات للمقاومة. فليست المشكلة هي الاحتلال العسكري. المشكلة كيف يتعامل الناس معه، أهم مؤشر إلى أنه ليست هناك نكبة في العراق هو عدم حدوث نزوح. أول درس تعلمه المواطن العراقي ان النزوح والخروج هو خروج إلى الأبد. وبالتالي فالحل هو المقاومة. هذا الدرس الأول من لبنان وهذا الدرس الثاني من الانتفاضة. فلذلك بما أنه لا يوجد نزوح لا توجد نكبة. المشكلة ليست الاحتلال. المشكلة هي هل يريد الشعب أن يقاوم أم لا؟ نحن فوجئنا أن هناك حركة نزوح عراقيين من سوريا في اتجاه العراق. كان لدينا عدد كبير من العراقيين. حدث نزوح معاكس، منذ البداية، منذ أربعة أو خمسة أشهر قلنا إننا لن نقيم معسكرات لجوء بالرغم من ضغط المنظمات الدولية. قلنا إننا لا نعتقد أنه سيكون هناك نزوح. اليوم يرى المواطن العراقي أن أميركا أتت تريد أن تحتل أرضه وتريد قتله وهو لا يقبل أن يحدث له ما حدث في فلسطين. فلذلك أنا أرى الأمر مختلفاً. أرى أنه سيكون أقسى على الأميركيين وعلى البريطانيين.
إيران
؟ سيادتكم كنتم في إيران. كان لدينا قلق من الموقف الايراني. فقد تبين في الفترة الأخيرة أنه أصبح هناك غزل مع الأميركيين أو بعض التساهل. بعض الجيوب العراقية المعارضة المحسوبة على إيران والموجودة في إيران، كانت تصدر بيانات مريبة، ثم لاحظنا أنها لُجمت قليلاً وبدأت تصدر بيانات من طبيعة مختلفة مثلاً بيان حزب الله العراقي الموجود في ايران، لقد أخذ موقفاً ضد الاحتلال. وكان الأمر مقلقاً بالمعنى الطائفي وبالمعنى السياسي بالمعنى الوطني والقومي أيضا. كان هناك خطر من احتمال توظيف الموضوع الشيعي في خدمة الاحتلال. مع ان الشيعة في الغالب العام وطنيون طوال تاريخهم. سنة 1920 تصدوا للإنكليز ولم ينجر أحد منهم الى إيران طوال حرب العراق مع ايران. الصورة الآن ربما كانت مطمئنة قليلاً.
? الرئيس الأسد: هناك الكثير من التشويش المتعمد لموقف جمهورية إيران الإسلامية من هذا العدوان على العراق. هناك تشاور وتنسيق مستمر بيننا وبين الإيرانيين. الموقف الإيراني واضح تماماً وما قالوه وما يقولونه يلتزمون به. وهذه نقطة مهمة جداً.
؟ ماذا عن الزيارة التي أُلغيت؟
? الرئيس الأسد: الزيارة لم تلغَ. الزيارة أُجلت.
المبادئ والمصالح
؟ الشعوب تظاهرت ضد الحرب في كل أرجاء العالم كأنما الشعوب تعترض على التفرد الأميركي، على الهيمنة الأميركية وتؤكد وجودها هي، كأنما أوروبا أيضاً تؤكد حضورها، تؤكد رفضها لهذه الهيمنة الأميركية. هي حركة شعوب في العالم ككل تطرح مجموعة من المفاهيم الجديدة مناقضة تماماً لكل ما تطرحه أميركا من مفاهيم نظام العالم الجديد. هناك شق يخصنا نحن كعرب هل تعتقدون أن هناك إعادة اعتبار إلى هذه الحركة الشعبية في العالم. هذا النزول إلى الشارع، ثم أن وزير خارجية فرنسا غدا نجماً شعبياً على مستوى دولي بخطابه في مجلس الأمن. موقف فرنسا، موقف الرئيس شيراك، موقف ألمانيا، الشارع الإيطالي، الشارع الأسباني. أوروبا عموماً. روسيا التي كان موقفها مرتبكاً ثم ثبت. إضافة إلى شعوب أخرى. موقف الفاتيكان كموقف للكنيسة الكاثوليكية كأنما الشعوب كشعوب بالإضافة إلى الدول تعود فتؤكد حضورها، وتمكّن دولها من أن ترفض هذا النظام العالمي الجديد وتحاول أن ترسم مساراً مختلفاً. إنها رافضة للنظام العالمي الجديد بالمفهوم الأميركي للهيمنة الأميركية. فيها نزعة استقلالية. أوروبا تحاول تأكيد ذاتها. لقد التقيت سيادتك العديد من المسؤولين الغربيين، فعرفتهم شخصياً. أنت تعرف شيراك وتعرف الوضع في فرنسا. تعرف الألمان وتعرف الأسبان وقد زرت سيادتك اسبانيا. لقد كان الموقف الرسمي الأسباني مستغرباً وبدا متناقضاً مع موقف الشعب الأسباني.
? الرئيس الأسد: في الجانب الدولي فإن ما يجمع بين الدول والسياسات أمران إما المبادئ أو المصالح. في الماضي عندما كان يطرح مفهوم الغرب والشرق خاصة أيام الاتحاد السوفياتي، كانوا في الدول الغربية يعتبرون أن ما يجمع بينهم هو المبادئ والمصالح، المبادئ الديموقراطية والحرية وكل هذا الكلام، وأن هناك بالنتيجة عدواً يهدد الحضارة ويهدد الغرب حسب ما كان التصور، وهذا العدو هو الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية. هذه الصورة أخذت تتهافت بعد العام 1990. كانوا في الغرب ينظرون الى هذه القواعد الأميركية الموجودة عندهم أنها مصلحة مشتركة لحماية دولهم من عدو مفترض اسمه الاتحاد السوفياتي. بدأوا الآن يفكرون في جدوى هذه القواعد، وبدأت تفترق المصالح لدى البعض ولكن بإطار ضيق. صارت هناك بدايات تفكير في مستقبل المجموعة الغربية التي هي غير الولايات المتحدة. لكن طرح الموضوع العراقي بهذا الشكل اظهر أن هناك افتراقاً في المبادئ وفي المصالح. هذه أميركا تريد من الحرب السيطرة على كل شيء. وقد تجلى ذلك في حرب افغانستان قبل العراق. موضوع 11 ايلول بالذات بدأ يحدث شيئاً من الافتراق مع أنهم توافقوا بالمصالح بالنسبة لموضوع مكافحة الارهاب وأنا اعتقد أن اغلب دول العالم إن لم يكن كلها كانت متوافقة مع أميركا بالنسبة لموضوع مكافحة الارهاب لكن اسلوب مكافحة الارهاب أظهر غياب الرؤية الصحيحة لموضوع الارهاب. النقطة الثانية هي الاستغلال الأميركي لموضوع مكافحة الارهاب. وهنا بدأت الكتل الدولية الأخرى ترى أن الموضوع ليس موضوع مكافحة ارهاب. حدث ذلك خلال أشهر قليلة أو حتى أسابيع بعد بدء الحرب على افغانستان، موضوع العراق حسم هذا الأمر، أوضح أن هناك افتراقاً في المبادئ وافتراقاً بالمصالح. انقسمت أوروبا، وانقسم مجلس الامن أمام الاعتداء على دولة تعاونت حتى أبعد الحدود معه. كان قرار الحرب أميركياً وبشكل واضح، فحدث فصل بين هذه الدول الغربية على مستوى الحكومات. أما على مستوى الشعوب فإننا نشاهد أن النسبة الأكبر في بريطانيا وكذلك في إيطاليا وألمانيا ومعظم أوروبا على المستوى الشعبي معارضة للحرب. في اسبانيا نسبة ساحقة تعارض الحرب. في أميركا نسبة كبيرة لا أعرفها بدقة. هناك إجماع في العالم على رفض الحرب. لكن على المستوى السياسي يوجد انقسام بشكل واضح الآن.
زيارة بريطانيا
؟ أرجو ان أطرح سؤالاً تفصيلياً. سيادتكم ذهبتم إلى بريطانيا والتقيتم طوني بلير في دمشق ثم في بريطانيا وكان مستغرباً ذهابكم إلى بريطانيا مستغرباً بمعنى أنه صعب على المرء أن يجد نقاط تلاق بين سوريا وبريطانيا بسياستها الأميركية. هل كان عندكم يوم زرتم بريطانيا تقدير بأنها ستذهب مع أميركا إلى الحرب على العراق؟
? الرئيس الأسد: عندما أتى رئيس الحكومة طوني بلير إلى سوريا كان الموضوع موضوع الارهاب ولم يكن موضوع العراق مطروحاً. فالوضع مختلف تماماً. في تلك الزيارة لم يطرح أبداً الموضوع العراقي. في زيارتي كانت أول مرة يطرح الموضوع العراقي. كانت زيارة لمعرفة الموقف البريطاني ولطرح الموقف السوري ولطرح الرؤية السوريا لهذا الموضوع. كلا، لم تكن هناك توقعات بتغيير موقفهم لكن كان الأمر الطبيعي أن نحاول. أن نطرح الموقف ونحذر. حتى الكثير من الأميركيين وبينهم وفود الكونغرس التي كانت تأتي وتتكلم عن الموضوع العراقي، كنا نقول لهم: لا تخطئوا في موضوع الحرب أنتم ستدفعون الثمن، كانوا يتكلمون عن الصواريخ وعن موضوع الصدمة والرهبة . قلت لهم: هناك أمر سوف تتخلون عنه هو مبدأ الحرب النظيفة! كان هناك تقاطع بيننا وبين بريطانيا وبين العراق فقد صوتنا نحن وبريطانيا إلى جانب القرار 1441 والعراق وافق على هذا القرار. وأحد أهداف الزيارة أن نركز على موضوع الأمم المتحدة. وقلنا لهم إن تطبيق قرارات مجلس الأمن هو الذي يمنع الحرب فكانت هذه نقطة توافق وكانت الجوهر في ذلك الوقت، أي التصويت على قرار مجلس الأمن. في الوقت ذاته نحن دولة عضو في مجلس الأمن، فالحوار مع بريطانيا بغض النظر عن التلاقي والافتراق كان مهماً في ذلك الوقت. كان الهدف منع الحرب لكن لم نصل إلى تلك النتيجة.
تركيا
؟ ما هي أبعاد الموقف التركي من حيث تأثيره في الحرب على العراق والوضع الفلسطيني والتهديدات التي توجهها إسرائيل إلى لبنان وسوريا. كيف تقرأ الموقف التركي المفاجئ من الحرب. هل هو مجرد خلاف على قيمة المساعدات التي ستتلقاها تركيا؟ الحكم التركي الجديد الذي جاء بعد الانتخابات وبعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة بادر إلى الاتصال معكم. ما هي نظرتكم إلى هذا الحكم من خلال سياساته؟
? الرئيس الأسد: بالنسبة إلينا كسوريا نأخذ النتائج بالاعتبار. وعلى هذا نستطيع أن نقول إنها نتائج واضحة وايجابية. هذا أهم شيء. فالعلاقة معهم تتطور بشكل جيد. ولقد بدأت علاقاتنا تتطور معهم بشكل متسارع منذ سنوات. لكن الحكومة الحالية ومن خلال زيارة رئيس وزرائها السابق عبد الله غول إلى سوريا أعطت بكل تأكيد دفعاً للعلاقات، خاصة بعد طرح القضية العراقية. الموضوع العراقي يشكل خطراً على كل الدول المحيطة بغض النظر عن وجهة نظرها في الحرب. هناك أخطار مشتركة. التقسيم، خطر مشترك بشكل مباشر للدول المجاورة وحتى غير المجاورة. النتائج الانسانية والاجتماعية، النتائج الأمنية في المستقبل، والنتائج الاقتصادية. وفي مناقشاتنا حول الموضوع العراقي كانت هناك فعلاً رؤية مشتركة بالنسبة للأخطار أو بالنسبة لكيفية المعالجة أيضاً. كلنا ضد الحرب. الآن كيفية التعاطي مع أميركا تختلف عن علاقات سوريا مع تركيا. لكن الذي اتفقنا عليه أن كل دولة من خلال موقعها بالنسبة لكل العناصر الأخرى التي تتأثر بالحرب يجب أن تساهم حسب وضعها في محاولة منع الحرب. رفض تركيا إعطاء الموافقة للقوات الأميركية لمهاجمة العراق من الشمال جاء نتيجة للرؤية المشتركة التي سمعناها منذ أشهر منهم. نحن نعرف أن الغالبية الساحقة من الشعب التركي هم ضد الحرب. فانطلاقاً من هذا الأمر نستطيع أن نقول إن النتائج كانت ممتازة ونستطيع أن نقول أيضاً إنها كانت متوقعة.
التهديد قائم بوجود إسرائيل
؟ هل تشعر سوريا بأنها مهددة بهذه الحرب؟
? الرئيس الأسد: مادامت اسرائيل موجودة فالتهديد قائم. وما دام هناك عدوان على دولة عربية، وما دامت هناك حرب على حدودنا فالخطر قائم. وإذا لم تشعر بالقلق في ظروف كهذه فهذا يعني أنك لا تنظر إلى الواقع أو لا تراه. والقلق لا يعني الخوف بل الاستعداد للمواجهة.
الأرض أرضنا
؟ هل تشعر سوريا أنها قادرة أن ترد على هذا التهديد؟
? الرئيس الأسد: إذا كانت القضية مجرد قضية حرب فهذا يعني بالمنطق العسكري أننا أضعف من القوة العظمى. لكن القضية قضية أرض. الأرض هي أرضنا. أنتم بالنسبة للبنان لا توجد مقارنة في القوة بينكم وبين إسرائيل. اسرائيل أقوى منكم عسكرياً وقد تكون أقوى من مجمل الدول العربية أو معظم الدول العربية. لكن المهم في الموضوع هو دور العقيدة. هل هناك ميزان قوى بين الأميركي والعراقي؟ لا يوجد نهائياً. ومع ذلك الشعب العراقي صامد ويدافع عن أرضه بكل بسالة.
؟ لكن الا يشكل الاحتلال الأميركي لدولة عربية متاخمة لحدود سوريا تهديداً لسوريا؟
? الرئيس الأسد: لذلك أقول إنه من الطبيعي أن نشعر بالقلق. هذا بكل المعايير أمر طبيعي.
؟ هل توجد لديكم الثقة بأنكم قادرون على مواجهة هذا الخطر أو هذا التهديد؟
? الرئيس الأسد: الثقة تنبع من ثقتنا بصحة مواقفنا وبشعبنا، ومن خلال تجاربنا.
؟ يقال إن خطط الحرب على العراق كانت معدة قبل 11 أيلول. في قائمة الدول كانت افغانستان ثم العراق فسوريا فإيران. في الخطة العدوانية الجديدة سوريا موجودة على قائمة من القوائم.
? الرئيس الأسد: حتى لو لم يضعوا سوريا ضمن الخطة، فالاحتمال دائماً موجود. أي أننا لن ننتظر حتى يضعوا سوريا ضمن الخطة ويعلنوا أو لا يعلنوا لكي نقول أن الحرب ستتسع رقعتها أو لا تتسع. أنا قلت ذلك في القمة وتحدثت عن موضوع احتلال بغداد العام 1258 على يد هولاكو. لكن في هذه المرة ستكون بغداد ومعها دول عربية عدة. حين أشير إلى دول عربية عدة من غير المعقول أن استثني سوريا وهي الأقرب، وهي التي دائماً في قلب الصراع ضد الغزاة لأنها قلب العروبة، وهي الطليعة. لكن هذا لا يعني أنهم إذا قرروا سوف يكونون قادرين على التنفيذ، وذلك لأسباب مختلفة ليس فقط السبب العسكري.
إسرائيل تستغل الحرب
؟ كيف تستغل اسرائيل حالياً الحرب على العراق في عدوانها على الفلسطينيين؟
? الرئيس الأسد: أول ما تستفيد منه إسرائيل هو التعتيم الإعلامي على جرائمها ضد الفلسطينيين. حالياً كل الاهتمام منصب على العراق. لا أحد يهتم بما يجري في فلسطين. فيصبح القتل أسهل. الضغط الدولي الذي كانت تتعرض له اسرائيل تحول في اتجاه آخر. الهدف الأبعد هو الموضوع المتمثل بخطة التقسيم. فانهزام العرب أمام العدوان على العراق والقبول بتسهيل الاحتلال والتعامل السلبي مع الموضوع يضرب القضية الفلسطينية. وهذا يعني أن العدوان على الشعب العراقي مرتبط بالعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني. إن اسرائيل تخطط وتسعى لفرض السلام الذي تريده هي.
فلسطين والرشوة
? والرشوة السخيفة التي تطرحها الإدارة الأميركية ومعها بريطانيا تحت اسم خريطة الطرق ، ألا تعتقدون أنها رشوة سخيفة ومضللة؟
? الرئيس الأسد: تماماً، مثلها مثل خطة ميتشل و خطة تينت ، كلها خطط مصيرها الفشل لأنها لا تلبي طموحات ولا تعيد حقوق الشعب الفلسطيني.
؟ إنه عد تنازلي، في كل مرة يكون أخفض، ويبدو أن الانكليز هم الذين ينبهون إليه أكثر من الأميركيين. انهم دائماً هم الذين يحركون موضوع الرشوة.
? الرئيس الأسد: إنه توزيع أدوار. وهي رشوة للعرب.
؟ أي لكأننا سنخسر فلسطين ونربح رئيس حكومة. صار أبو مازن شخصية عالمية. بلير تحدث عنه مرات عدة ويقول عنه صديقي أبو مازن .
? الرئيس الأسد: كل الأمور أصبحت مكشوفة لم يعد هناك ما هو خفي على أحد. المهم أن نرى الأمور على حقيقتها فيكون حكمُنا صحيحاً.
؟ انهم يستخفون بعقولنا كثيراً وعلناً.
? الرئيس الأسد: البعض علمهم ذلك.
الفلسطيني يرفض التدجين
؟ في تقديركم ماذا سيحدث في فلسطين سياسياً؟ هل تبقى محتلة عسكرياً؟
? الرئيس الأسد: هذا إذا قبلوا ما يعرض عليهم عبر خريطة الطرق ، وحتى الاسم يرونه صعباً. لكن ماذا عن المقدِرات الاقتصادية والأمنية لهذه الصيغة المبتدعة؟ الآن السؤال هو كيف ستكون الصيغة؟ هل ستكون دولة محتلة أو مطوقة؟ يبدو أنه لا فرق. بمعنى أنه إذا كانت الدولة صغيرة ومقسمة ومشرذمة: الهاتف بيدهم، المطار بيدهم، والأمن بيدهم والطعام بيدهم، فما هو الفرق بين ما يعرض عليهم وبين وضعهم الحالي؟! انه مثل الحكم الإداري لأية بلدة أو أقل. هذه هي القصة وهذا هو الهدف. لكن هذا يعتمد على الشارع، هل يقبل الشارع الفلسطيني أم لا. وعندما يصل الأمر بالإنسان إلى أن يضحي بنفسه فهذا معناه أنه يرفض الواقع ويرفض أي طرح يحاولون أن يفرضوه عليه كواقع. كانوا يريدون دولة بهذه الطريقة ومواطناً يقبل بعملية تدجين. يريدون مدجنة لا يريدون وطناً. يقولون: لقد دُجِّن فلان معناه: عوّده، وأصبح مقيماً عليه وتعوّد عليه. ومنها جاءت كلمة الدواجن. لكننا نستخدمها بمعنى دجّنه وجعله أليفاً أي آلف الوضع وائتلف معه. هم كانوا يريدون مدجنة يضعون لها اسم الدولة. وهذا الأمر رفضه المواطن. المواطن الفلسطيني يقول: إذا أردتم أن تفرضوا دولة فلتفرضوها لكن موقفنا سيظل قائماً.
تهديد سوريا ولبنان وحزب الله
؟ تتوالى التهديدات الإسرائيلية لسوريا ولبنان ول حزب الله تحديداً هذه الأيام.. ما هو تعليقكم عليها، خاصة مع ما يقال بأنه تحت غطاء الحرب على العراق يمكن استهداف لبنان حزب الله بالتحديد؟
? الرئيس الأسد: هذه التهديدات مستمرة ولا علاقة لها بالحرب. من الخطأ أن نربط أي عمل تقوم به إسرائيل بظرف، ومن الخطأ أن نطمئن لظرف لأن إسرائيل لن تقوم بعمل خلاله. ربما بيننا وبين أنفسنا نقول انها قد تفعل وقد لا تفعل. هذا تقدير لكن لا نبني على هذا التقدير. ولا يعني هذا أن المنطق الذي لديك موجود لدى الآخرين. ففي موضوع الحرب أية لحظة مشابهة لأية لحظة أخرى. وهذه هي النقطة المهمة. كلنا لا نثق بإسرائيل، لا نحن ولا أحد من العرب، فمن الطبيعي أن نتوقع بشكل مستمر هجوم إسرائيل حتى ولو لم تهدد. يجب أن نعلم أن إسرائيل تعتمد على الغدر. وهذه النقطة يجب أن نتنبه إليها جيداً. نحن نتعامل مع الغدر والتهديدات لأنها رافقت وجود إسرائيل، وهي دائماً من خلال وجودها تشكل تهديداً. هذه هي الطبيعة الإسرائيلية. وإسرائيل خلقت من أجلها، وعلى أساس هذا الفهم الواقعي لطبيعة إسرائيل ودورها يجب أن نتعامل مع احتمالات العدوان بشكل مستمر من داخل هذا الإطار.
؟ من المنطقي أن تفرض قوى العدوان على العراق على إسرائيل السكون للمحافظة على وضع التحالف والحرب. من المؤكد انهم سينتقلون إلى مرحلة هجوم بعد تسوية الوضع العراقي إذا ما تمت تسويته بالشكل الذي تريده أميركا. وبالتالي فإن سوريا ولبنان من الدول الأساسية التي ستكون مستهدفة. هل استعدّت سوريا بالتحرك لاحتواء أية مضاعفات في هذا الشأن؟
? السيد الرئيس: بالنسبة لإسرائيل فإنها لا تأبه بالرأي العام الدولي. والولايات المتحدة غير قادرة على السيطرة عليها، بل إن الإسرائيليين مسيطرون الآن من خلال اللوبي الخاص بهم. أهم أمر بالنسبة لنا أن قضيتنا عادلة وعلينا أن نشرحها. نحن في زياراتنا ولقاءاتنا مع المسؤولين الأجانب نقوم بذلك. وهناك قناعة دولية بالطرح السوري. لا توجد دولة تختلف معنا حول ضرورة إعادة الأراضي كاملة حتى حدود 1967 وتطبيق قرارات مجلس الأمن. ولا دولة على الإطلاق ودون استثناء، ما عدا إسرائيل نفسها.. وأحياناً هم يقرون هذا الموضوع ثم يتراجعون ضمن لعبتهم السياسية. النقطة الثانية هي اننا نعدّ أنفسنا لأن نكون مستعدين لمقاومة أي هجوم إسرائيلي. هذه النقطة لا تحتاج إلى تحليلات وهذا ما مارسناه عبر التاريخ كسوريا.
هل بدأت الجامعة العربية
؟ هل انتهت مؤسسة الجامعة العربية؟
? الرئيس الأسد: السؤال هو هل ابتدأت مؤسسة الجامعة العربية؟ لكي ينتهي الشيء لابد له من أن تكون له بداية. فبماذا ابتدأت وبماذا انتهت؟ إذا كانت قد ابتدأت كمنظمة فهي لم تنته كمنظمة. إذا ابتدأت كفعل يوحد العرب في مواقع معينة فهي غير مبتدئة لكي تنتهي. إذا لم تطبق اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ولو فرضنا أن هذا المحور من المحاور لم يطبق بالأساس، فلم ينته تطبيقه لأنه لم يطبق أصلاً، ولم يؤد ذلك إلى أن ينتهي. فيجب أن نحدد ماذا نريد من الجامعة. إذا كان هناك أمر معين هو المطلوب رجعنا إلى الميثاق العربي، وهو غير مطبق. الجامعة هي منظمة تنجح إذا نجح المسؤولون العرب. أما إذا ما فشل المسؤولون العرب فإن الجامعة لا بد أن تفشل. فنحن لا نستطيع أن نقول أن الجامعة تفشل وتنجح. نستطيع أن نقول أننا نحن كمسؤولين فشلنا وفشلناها أو نجحنا ونجحناها.
القطرية تتراجع
؟ هل مازال هناك ما يجمع بين دول المغرب والمشرق والخليج؟ الاجتماعات دائماً تجد صعوبة في إصدار بيانات مشتركة هذا إذا صدرت وكأن هناك انحداراً سريعاً وقد أصبحت الدول أبعد عن بعضها البعض مما كانت في يوم من الأيام؟
? الرئيس الأسد: نحن نبالغ أحياناً في فهم فكرة القومية. فإما أنها دولة واحدة والشعب كله متشابه أو أنها تنسف وتصبح موضوعاً قطرياً. الكثير من المفاهيم والعادات والتقاليد قد تختلف بين شرق المدينة وغربها. ما أراه اليوم هو أن الرابط بين العرب موجود اليوم أكثر من أي وقت مضى. اليوم الوضع على المستوى الشعبي أفضل بكثير مما كان عليه في الثمانينات. في الثمانينات كانت فكرة القطرية مكرسة، خاصة بعد احتلال بيروت، وبعد تداعيات كامب ديفيد. لكن موضوع القومية بالأساس إذا كنا سنأخذه بالمعنى الأكاديمي فهو جغرافيا وتاريخ ومصلحة مشتركة ولغة وثقافة وغيرها. هذه العناصر موجودة ولم تختلف بين الشعوب، بالعكس تقاربت بفعل أمور عدة. أولاً بفعل الأحداث على الساحة العربية. فالانتفاضة قد ساهمت وبشكل أساسي في تعزيز الشعور القومي وما مكّن من ظهور هذا الشعور المشترك هو التقنية الحديثة كالفضائيات التي لم تكن متوفرة في الماضي. لكن الاختلاف بقي على مستوى المسؤولين وعلى مستوى الأنظمة العربية.
العلاقات العربية: نموذج سوريا العراق
؟ العلاقات بين الأنظمة العربية هل هي قابلة للتغيير بعد؟
? الرئيس الأسد: أنتم في لبنان مررتم بتجربة الحرب الأهلية. وبعض الأشخاص كانوا فعلاً وطنيين، ورغم أنه كان هناك دمٌ وقتلٌ في مراحل معينة، فلقد قالوا: إننا ننسى الدم طالما أن الموضوع فيه مصلحة وطنية. هذا قتل والده، وذاك قتل أخوه أو ابنه، ومع ذلك نسوا وجلسوا بعضهم مع البعض الآخر بعد أن كانوا أعداء. فالأمر هنا يعتمد على الإنسان. هل نتعامل مع الموضوع من منطلق الحقد؟ من الصعب أن نتعامل مع الموضوع من منطلق الحقد لأننا إذا عدنا إلى الماضي سنجد أن الكثير من الأخطاء قد ارتكبت بحق بعضنا البعض. هل نبحث عن بعضنا البعض أم أننا نبحث عن العلاقات الماضية المليئة بالأخطاء؟ إذا كنا نبحث عن أخطاء سنفترق. وإذا لم نبحث عن أخطاء فهذا ممكن.
نحن في سوريا أكثر دولة اختلفت مع العراق ولعقود، ومن ثم ابتدأت العلاقات تعود إلى طبيعتها في العام 1997. فعندما نظرنا إلى الموضوع من منطلق المصلحة العامة، أمكننا أن نتجاوزه بسهولة. هذا الأمر ممكن بكل تأكيد ولكنه يعتمد على العامل النفسي لدى المسؤولين. فهل هم قادرون على الخروج من الأحقاد والعقد؟ لذلك نستطيع أن نقول وبكل تأكيد، هناك احتمال كبير لكنهم بحاجة أن ينظروا إليه من الزاوية التي نتكلم عنها وهي الزاوية الوطنية والقومية.
؟ ماذا يمكن لسوريا أن تقدمه للعراق في الوقت الحالي؟ سياسياً، اقتصادياً، عسكرياً اجتماعياً؟
? الرئيس الأسد: سبق وأن أعلن مسؤولون عراقيون أنهم لا يطلبون أي دعم عسكري من أية دولة، لكنهم على الأقل بحاجة إلى الدعم السياسي، وهذا يتضمن بالتأكيد عدم المساهمة بالعدوان. منذ أن طرح موضوع العدوان على العراق قبل أشهر اتخذنا موقفاً وما زلنا نسير بموجبه، سواء في الجامعة العربية أو في مجلس الأمن أو على الساحة الدولية بشكل عام.
لا نجامل أحداً
؟ هل هناك خشية سورية في هذا الشأن من أن هذا الأمر قد يزعج بعض حكومات دول عربية أخرى قد تكون غير متفقة معكم؟
? الرئيس الأسد: نحن لانعمل من أجل مجاملات ولا مراضاة. وليس دورنا أن نجامل والظرف لايسمح بالمجاملة في الوضع الحالي. إنها حرب. هل تجامل مسؤولاً على حساب مصلحة المنطقة؟ لاشك أن على كل دولة أن تتحمل مسؤولية موقفها.
اللقاء الثلاثي
؟ كان هناك نوع من محور أو لقاء ثلاثي بين سوريا ومصر والسعودية ويبدو وكأنه قد حل الآن أو أن الأحداث قد تجاوزته؟
? الرئيس الأسد: هناك لقاءات لكنها ثنائية. آخر لقاء ثلاثي كان في قمة شرم الشيخ في أيار من العام الماضي. بعدها لم تتم لقاءات. ولم تطرح. فقد كان هناك لقاء قمة في شرم الشيخ مصغّرة مع الرئيس مبارك والعقيد القذافي، ولكن المشاورات مستمرة ولم تتوقف سواء مع مصر والسعودية أو بقية الدول العربية الأخرى.
أنان والأمم المتحدة
؟ هناك اتهام صريح إلى كوفي عنان بأنه تصرف بما ليس من حقه وسحب بعثة المفتشين الدوليين واوقف برنامج النفط مقابل الغذاء وهذا على المستوى الاجرائي من صلاحيات مجلس الأمن. والولايات المتحدة دخلت الحرب مخالفة بذلك كل القرارات الدولية وكأنها وضعت نقطة النهاية لمجلس الأمن وبالتالي الامم المتحدة. وعندما تطرح نظرية شرق اوسط جديد ونظام عالمي جديد فكأنك تطرح تماماً أمراً مغايراً لم يعد للأمم المتحدة مكان فيه ولا لمجلس الأمن.
هل تعتقدون ان دور الامم المتحدة كما عرفناها ودور مجلس الامن قد انتهى؟
? الرئيس الأسد: كان هذا الدور في التسعينات وبعد تفكك الإتحاد السوفياتي، مرشحاً لأن ينتهي، ولقد لمسنا ضعفه خلال السنوات العشر الماضية. وفي معركة القرار /1441/ ظهر دور أكبر للامم المتحدة. طبعاً بالنسبة للموضوع الأول عن الأمين العام للأمم المتحدة كنا نتمنى ألا يسحب المفتشين لكي يحرج دعاة الحرب خاصة وأن المفتشين ذهبوا إلى العراق بقرار من مجلس الأمن. فنحن كنا ضد سحب المفتشين والعراق كان ضد سحب المفتشين مما يعطي مبرراً أو يساعد على بدء الحرب.
؟ الأخطر توقيف برنامج النفط مقابل الغذاء. هذه حرب تجويع للشعب العراقي. والتصرف بمال العراق من دون إذنه ومن دون إذن الأمم المتحدة أو مجلس الأمن.
? الرئيس الأسد: تماماً هذا صحيح. أما المنظمة وهل قتلت أم لم تقتل. الآن كما قلت لك خلال مداولات القرار /1441/ وفي المعركة التي دارت في الأشهر الأخيرة كنا نرى عودة الحياة إلى المنظمة، والآن تعامل الامم المتحدة مع الحرب يقرر مستقبل هذه المنظمة. فهذا احتلال صريح وعدوان سافر على دولة عضو في الأمم المتحدة. فهل تأخذ الأمم المتحدة موقفاً أو هل يجتمع مجلس الأمن ليأخذ موقفاً ضد هذا العدوان أم لا. هنا يتبين ما إذا كانت الأمم المتحدة فاعلة أم لا.
سوريا ومجلس الأمن
؟ خلال السنة الماضية لعبت سوريا دوراً في مجلس الأمن وهذه تجربة مهمة. كيف تنظرون إلى هذه التجربة؟
? الرئيس الأسد: طبعاً هي تجربة تعتمد على أمرين: على الظروف التي تمر بها القضايا المطروحة. وخلال وجودنا طرحت قضايا مهمة جداً وخاصة القضية العراقية وهذا أعطانا فرصة لأن نلعب دوراً لاسيما أنها قضية تخص بلداً عربياً. والنقطة الثانية تعتمد على فاعلية المنظمة نفسها. أنت لا تستطيع أن تكون فاعلاً في منظمة غير فاعلة، فإذا كان فيها جانب فاعل لأن هناك معايير مزدوجة فهي تكون فاعلة في جانب وغير فاعلة في جانب آخر. فاعلة في الجانب الذي يحقق رغبة الولايات المتحدة، فاعلة في الجانب الذي يؤيد إسرائيل وكل الذي يصب في هذه الاتجاهات. فنحن في الجانب الفاعل حاولنا أن نكون فاعلين لكي نجعل هذا الجانب عادلاً ومطابقاً للمبادىء وميثاق الأمم المتحدة وهذا أقل الإيمان. فكانت فاعلية سوريا مرتبطة بهذا الجانب. لكن من جانب آخر، الأمم المتحدة هي منبر، ومجلس الأمن هو منبر دولي تستطيع من خلاله أن تبرز القضية العربية بشكل أفضل وتعطي لسوريا الدور الذي تستحقه من خلال موقعها في منطقتها خاصة ان القضايا التي طرحت بشكل أو بآخر مرتبطة بالمنطقة العربية، موضوع العراق وهو دولة عربية، موضوع الإرهاب وقد اتهمت به الدول العربية فكان لنا دور في الأمم المتحدة لكي نوضح ولكي نبرىء العرب من هذه التهمة الباطلة. فهذه هي الأهداف والخطوط العامة لدور سوريا في مجلس الأمن.
أميركا وسوريا
؟ استخدم وزير الخارجية الأميركية كولن باول كلمة احتلال في تصريح له عن الوجود السوري في لبنان وقبله أعيد تحريك مشروع قانون محاسبة سوريا أمام الكونغرس. هل فاجأكم هذا الموقف أو ربطتم هذا بمجمل الموقف الأميركي؟
? الرئيس الأسد: بكل تأكيد هذا له علاقة بموقف سوريا. موقف سوريا كان واضحاً ضد الحرب.
بالنسبة لهذا الموضوع وهذه النقطة فإن ما يعنينا هو نظرة المواطن اللبناني إلى هذا الموضوع. لا تعنينا نظرة مسؤول أميركي أو من أية دولة أخرى. الموضوع سوري لبناني، يدرس سورياً لبنانياً ويناقش سورياً لبنانياً ويقيّم سورياً لبنانياً ولا يقيم من أي جانب آخر.
؟ ماذا عن العلاقة السورية الأميركية في هذه اللحظة وكيف تصفونها؟
? الرئيس الأسد: هي دائماً علاقة متذبذبة متقلبة، ولكن ليس من جانب سوريا. بالنسبة لنا كسوريا لم نتغير. نحن كما تحدثت في البداية ننطلق من المبادئ والمصالح السورية في تعاملنا مع أية دولة أجنبية. في المواقع التي تلتقي فيها المصالح يكون الأميركيون جيدين معنا ، أما في المواقع التي تفترق منها المصالح فإنهم يريدون منا أن نسايرهم، ونحن لا نساير.
في موضوع الإرهاب اتفقت مصالحنا ونحن بالأساس ضد الإرهاب وهم بعد الحادي عشر من أيلول تعلموا الدرس وأرادوا أن يكونوا ضد الإرهاب بحسب ما يقولون. فقلنا: نحن نرحب بذلك. تريدون التعاون فنحن موقفنا واضح ومعلن، أعلنا التعاون ولم نختبىء. في مواقف أخرى تختلف وجهات النظر فلا نساير فتكون هناك اختلافات وربما تصريحات متبادلة، هي دائماً هكذا.
؟ هل هناك محاولات ضغط محاولات لي يد .
? الرئيس الأسد: لا نستطيع أن نسميها هكذا، هي محاولات لدفع سوريا في اتجاه معاكس لموقفها الحالي. المحاولات من خلال تصريحات ومن خلال مطالبات رسمية ومن خلال تلميحات عن طريق دول أخرى ونحن كل هذا الموضوع لم نهتم به. موقفنا هو موقفنا.
لبنان وسوريا
؟ كانت أول كلمة لسيادتكم قبل تولي الرئاسة عندما ترشحت أن العلاقة بين سوريا ولبنان هي علاقة النموذج والتي يمكن أن تكون النموذج للعلاقات المطلوبة بين الدول العربية وبصراحة هناك جوانب قد يصح فيها التوصيف بأنها النموذج وهناك جوانب أخرى لا يصح أبداً. فمثلاً على المستوى السياسي العالي هناك تنسيق وإلى حد كبير موقف مشترك من القضايا العربية والدولية. في شؤون العلاقات الثنائية المباشرة هناك خلل كبير في نظرة كل منهما إلى داخل البلد الآخر. وعلى سبيل المثال نسمع من الصناعيين في لبنان ومن المصرفيين ومن الاقتصاديين عموماً قولهم انهم يذهبون إلى سوريا ويعقدون اجتماعات وتخرج بيانات، الكلام ممتاز، الضيافة جيدة، ويتم توقيع ونوقع … ثم لا يتحقق ما وقعنا عليه.. هذا قبل الدخول في الشق السياسي.
في الشق السياسي معظم ما هو رديء في لبنان منسوب إلى سوريا ومتهمة فيه سوريا بدءاً من الخلل على مستوى السلطة إلى الخلل على مستوى الحكم (وزارات، إدارات)، حتى الدين تحمّل مسؤوليته للإدارة السورية للبنان. إذاً لا يمكن أن نعتبر هذه العلاقة نموذجاً. أين تبدأ مسؤولية سوريا وأين تنتهي بالنسبة إلى هذا الوضع الداخلي اللبناني؟ ومتى يمكن الوصول إلى صيغة تحفظ لسوريا كرامتها ووقار دورها ومشروعية دورها وتكشف الفواحش التي ترتكب باسم سوريا؟ لقد بادرتم فأحييتم المجلس الأعلى الذي هو معطل منذ سنين عدة، والمفروض أن هذه المؤسسة التي فيها الفائدة وخاصة في ظروف سلطة مثل سلطة لبنان، لا تقدر أن تجتمع مع بعضها فهي تعطل نفسها بنفسها، هذه المؤسسة الكبرى التي هي المجلس الأعلى كانت معطلاً وبالتالي كل قراراتها معطلة. ذهبتم إلى لبنان وحاولتم تحريك هذه المؤسسة فهل هذه الاندفاعة لا تزال قائمة أم أصيبت بالشلل مرة أخرى؟
? الرئيس الأسد: أولاً أنا قلت في خطاب الترشيح أنه نموذجاً لم يكتمل. النقطة الثانية هناك فرق بين النموذج وبين المثالي. لا توجد علاقات مثالية في الدنيا، وإذا قلت أنها مثالية فلا داعي لتطويرها لأن المثالية هي الأعلى. فالإنسان يحاول أن يكون مثالياً لا يوجد مثالية في العالم، وفي الواقع الإنساني لا توجد وإلا لما كان فيه خير وشر وجنة ونار، لكن يوجد ما هو أقرب للمثالية. انه النموذج، إذاً. أين النموذج وأين لم يكتمل؟ لم يكتمل في الجوانب التي فيها خلل، جوانب مختلفة وهذا أمر طبيعي في أي علاقة يكون فيها خلل. نحن مع أحسن الدول علاقاتنا فيها خلل لكن هناك نموذج مهم. دعنا نقول ان الجانب الأفضل هو جانب التنسيق، أعني في الموضوع الداخلي وفي الموضوع الخارجي أهم شيء هو أن تكون هناك مصارحة، وكلام واضح، العلاقة لا تكون نموذجاً مهما كان شكلها إلا عندما يكون هناك وضوح بالكلام، لا عندما تكون مبنية على المسايرات والمجاملات.
أن يجري الحديث باسم سوريا فهذا أمر لا يمكنك أن تمنعه، هذا موضوع لبناني وليس سورياً، عند الحديث باسم سوريا المتحدث هو لبناني. من يسمح له بأن يسيء في لبنان فالمسؤول عنه لبنان وليس سوريا. حدود مسؤوليتي المباشرة هي الحدود السورية علاقتنا مع لبنان كان يحكمها دائماً الموضوع الأساسي، موضوع الحرب الأهلية في الماضي والموضوع الإسرائيلي في الماضي وفي الحاضر هذا الموضوع الذي يحكم أي علاقة مع لبنان، لا تحكم علاقتنا مع لبنان الأمور الشخصية. كل ما يحصل عدا عن ذلك، عدا هذين المحورين إذا كان فيه أخطاء فهي أخطاء شخصية، سواء كانت أخطاء من قبل سوريا أو من قبل لبنان نريد أن نفرق بين العلاقة الاستراتيجية والعلاقة السياسية المبدئية من جهة وبين الممارسة من جهة أخرى.
المعالجة لبنانياً
؟ اسمحوا لنا أن نتكلم بصراحة. الناس في لبنان تحملكم مسؤولية كل هذا النظام القائم في لبنان من رئيس الجمهورية إلى الحكومة إلى المجلس النيابي إلى الإدارة وتعتبر أنكم استولدتم مسوخاً، لنبدأ بالمجلس النيابي، إن قانون الانتخاب كان إلى حد ما من توليدكم أي ?شغلكم ، وبالتالي فقد استولد المجلس النيابي، هذه الحكومة وصولاً إلى رئيس الجمهورية، وسنتكلم عن رئيس الجمهورية لاحقاً. هذه هي الصورة عند المواطن اللبناني. فأنتم تُعتبرون مهندسي هذا النظام ومولدي هؤلاء الأشخاص، فالطبيعي أنه كل ما غلط هؤلاء الأشخاص، وهم يغلطون كل يوم، أن تنسب أخطاؤهم إليكم، وهذه دوامة. أنتم ستقولون ما علاقتنا بهؤلاء، انهم في لبنان وهذه حكومة لبنانية ووزراء ونواب لبنانيون، واللبنانيون يشاهدون ويعرفون أن الباصات و المحادل ، وكل هذه الأشياء هذه لن تنتهي إلا إذا حصل كسر معين في نقطة معينة وصار هناك وضع آخر. لأنه يمكن إيجاد قانون انتخابات جديد من طبيعة مختلفة، حياة سياسية من طبيعة مختلفة أي محاولة استيلاد حياة سياسية من دون أن تكون هناك بصمات سورية واضحة إلى هذا الحد، والحكومة لا تكون مستظلة بسوريا أيضاً إلى هذا الحد، رئيس جمهورية لا يكون دائماً محتمياً بسوريا في مخاصماته السياسية المحلية بما في ذلك البطريرك الماروني.. اسمحوا لنا أن نتكلم بصراحة. إن سوريا موجودة في كل شأن لبناني صغيراً كان أو كبيرا. هذا رأيي الشخصي، لم يعد ينفع القول لا دخل لنا بذلك وان هذه حكومة لبنانية.
? الرئيس الأسد: كل شيء مما قلته يصب في فكرة أن هناك من يحمل سوريا المسؤولية. هذا لا يعني أن سوريا غير موجودة وليس لها دور، لكن أول أمر ننطلق منه هو أنه إذا كان هناك شخص يريد أن يمشي، ويطلب مساعدتك، أنت تستطيع أن تساعده ولكن لا تستطيع أن تمشي بدلاً عنه. يجب أن يقف حتى تساعده على المشي أما إذا بقي قاعداً، فلا تستطيع أن تساعده على السير. فأي شيء يحدث في لبنان، وسواء أخطأت سوريا أم أصابت، فالنتيجة أن المسؤول هو شخص لبناني. وحتى عندما يتحدث أحد عن موضوع الفساد. نسأل: هل بإمكان فاسد سوري أن يفسد في لبنان إذا لم يكن هناك فاسد لبناني يتعاون معه؟ إذاً، إذا أردت معالجة الموضوع يجب بالدرجة الأولى أن تعالجه لبنانياً، وليس سورياً، عندما لا تكون هناك مشكلة لبنانية لا تكون هناك بالتالي مشكلة سورية في لبنان، إذا حدثت مشاكل سورية تبقى في سوريا، ضمن مشاكل سوريا.
إذا لم تكن هناك رغبة جدية لدى اللبنانيين لحل المشاكل فإن سوريا لا يمكنها أن تعمل شيئاً، مهما وضعوا الحق عليها أو على أي دولة أخرى. من الخطأ الهرب. في كل المشاكل التي تراها في لبنان، لو أعدت قراءة التاريخ من مئتي سنة، لوجدنا أنها هي نفسها، تغير شكل النظام السياسي أما المضمون فلم يتغير، بقي التقسيم الطائفي. من الخطأ الهروب من هذه الحقيقة. الذي يريد حل الأمور بشكل جدي، عليه أن يحل الكثير من الأمور. كثير من الناس الذين طالبوا بالدولة، لما جاء الرئيس لحود وطرح خطاب القسم، هم كانوا أول من وقف ضد خطاب القسم. أرادوا أن تطبقه الدولة على الآخرين ولكن ليس عليهم. البعض يرون أنفسهم أعلى من الدولة. هذه إحدى المشاكل. يبقى أن دور سوريا يبنى على الواقع اللبناني ولا يستطيع أن يخترع واقعاً لبنانياً. لو لم تكن هناك مقاومة في لبنان، هل كان بإمكان سوريا أن تخلق مقاومة؟ لم يكن بإمكانها أن تخلق مقاومة، نحن انتصرنا بجانب المقاومة من خلال الرغبة اللبنانية.
نحن نبقى كسوريا نتعامل مع لبنان كمؤسسات. وفي الواقع اللبناني الكثير من الأمور تأخذ الطابع الفردي، تأخذ الطابع الطائفي، تأخذ الطابع العائلي، وبالتالي من الطبيعي أن لا يكون الأداء السوري بالشكل الذي نفكر فيه. نأخذ قصة مخيبر مثلاً، هل مخيبر مع سوريا؟ يجب أن نفرق بين الشخص وبين السياسة، كل شخص لديه طبيعة. لكن دخول التفاصيل فيه أخطاء فردية طبيعية إن هناك قاعدة عامة في لبنان لا تسمح بأن تكون أفضل من سقف معين.
لم يبق مجال للانقسام
؟ رغم كل الإشكالات والمشاكل في العلاقات فالوضع الداخلي والوطني اللبناني هو الآن أفضل بكثير مما كان في السابق، ربما الفضل في التطورات الخارجية من موضوع فلسطين والانتفاضة الفلسطينية إلى موضوع العدوان على العراق الذي يعد له منذ شهور… أي أن هناك توافقاً لبنانياً تقريباً شبه شامل، ولأول مرة تزول فيه الحساسية الطائفية، سواء على المستوى السياسي العام، بين القوى السياسية المختلفة أو حتى على المستوى الطائفي.. باعتبار أن الطائفية كانت دائماً تلعب دوراً داخل اللعبة السياسية في لبنان. فعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا أخذنا دور البطريرك الماروني، باعتبار أن بكركي كانت تاريخياً تلعب دائماً دور القيادة السياسية لعموم المسيحيين في لبنان أو هكذا تقدم، كمرجعية أساسية، في موضوع الانتفاضة الفلسطينية فلاشك أنه في الأشهر الأخيرة قد تبلور تماماً كموقف طبيعي: تأييداً لنضال الشعب الفلسطيني، استنكاراً للمذابح والمجازر، وفي الموقف من الحرب أو العدوان الأميركي على العراق، كان الموقف جيداً، وفي الموقف من سوريا وفي الموقف من خطاب سيادتك في مؤتمر القمة الأخير. كل هذا يعكس تطوراً بارزاً في نظرنا خصوصاً أن يستشهد بهذا الخطاب وأن توجه إليكم تحية خاصة من قبل مجلس المطارنة الموارنة. ونحن نعلم أن البطريرك هو الذي عادة يصيغها، ما رؤيتكم لهذا الوضع؟ ألا تعتقدون أنه يقدم مساهمة طيبة في حماية المناخ الوطني اللبناني وتعزيزه وتصحيح جملة من العلاقات التي كانت تشوش على العلاقات اللبنانية السورية، وكذلك على العمل السياسي الداخلي والموقف الوطني في لبنان.
? الرئيس الأسد: كثير من الأمور التي كان اللبنانيون أنفسهم ينقسمون عليها أخذت شكلها النهائي، وبالتالي لم يبق مجال للانقسام: موضوع الحرب الأهلية، انتهاء الحرب الأهلية، الرهانات على إسرائيل في الثمانينات وما قبل. الرهان على بقاء الجيش الإسرائيلي و انسحابه، انتصار المقاومة أو عدم انتصارها، الدور الغربي، رؤية سوريا للمواضيع المختلفة، الإرهاب، العراق، موضوع السلام على سبيل المثال هذه المواضيع الثلاثة هي الأساسية، وهناك بالطبع مواضيع أخرى، هذه الأمور كلها والتي أساساً يوجد تنسيق سوري لبناني حولها، وتوجد سياسة موحدة ثبتت صحتها على المستوى الدولي، والطبيعي أن اللبناني يرى كل هذه الأمور وبالتالي الذي كان مختلفاً حول هذه النقطة، أصبحت الرؤية عنده واضحة، وظاهرة للجميع، فصار هناك توحد بالنسبة لرؤية الناس. هذا الأمر يخلق بشكل طبيعي الحالة التي أعتبرها حالة أفضل، وكما قلت أنا في البداية أن الوضع الآن أصبح أوضح، وكل شيء أصبح واضحاً، مواقف الدول العربية مثلاً، أصبح هناك فرز بين موقف دولة وموقف دولة أخرى، المواقف الدولية، هناك فرز واضح، الدول المعتدية موقفها واضح وأهدافها واضحة فإذن لا مجال للتحليلات والتوقعات لتكون هناك آراء متباينة. اليوم لا توجد آراء تختلف حول الأهداف إلا بهامش قليل. هذا لا نستطيع فصله عن الوضع العام في العالم، التوحد الذي جرى في العالم في 11 أيلول نتيجة الخطاب السياسي الأميركي الخاطىء أظهر وكأن الصراع صراع مسيحي إسلامي. اليوم أصبح الوضع مختلفاً، أو الصورة أصبحت مختلفة نتيجة الأداء المعاكس خلال سنة وبضعة أشهر قلبت الصورة إلى توحد إسلامي مسيحي خاصة في موضوع الحرب ضد العراق… وهنا جاء الدور الأساسي للكنيسة الكاثوليكية والبابا والفاتيكان بشكل خاص، هذا الدور الذي استطاع فعلاً بالأداء السليم خلال عام أن يقلب هذه الصورة إلى صورة توحد إسلامي مسيحي. هذه الصورة انعكست على منطقتنا وخاصة نحن في منطقة الشرق العربي. هذا الموضوع مهم بالنسبة لنا، وبالنسبة لكم في لبنان مهم جداً، بالنسبة لنا كمجتمع مكوّن من مسلمين ومسيحيين.
الفاتيكان وبكركي
أما بالنسبة لبيان المطارنة، فما يهمني في هذا البيان هو ما طرح بالنسبة لموضوع الوضع العربي، هذا الأمر جديد وبالنسبة لنا في سوريا يهمنا كثيراً.
هنا أتطرق بداية إلى دور بكركي كمرجعية دينية وهذا أربطه بموقف الفاتيكان، الفاتيكان هي المرجعية الدينية الأولى للكاثوليك في العالم. وينقلني هذا إلى زيارة قداسة البابا لسوريا في زيارة رعوية.
طبعاً من الطبيعي أن تهتم الكنيسة برعيتها في كل أنحاء العالم. زيارة البابا عززت وضع المسيحيين ولكن لم يأت إلى سوريا، كما لم يأت إلى لبنان قبل ذلك، ليقول للمسيحيين: لا تخافوا على أنفسكم، وإذا كان عليكم خطر فإننا نحميكم ، ليس هذا هو الموقف، بالعكس أتى ليقول لهم: أنتم تنتمون إلى هذه المنطقة، أنتم أبناء هذه المنطقة … وعندما خاطب المسيحيين في سوريا وفي لبنان في زيارات مختلفة خاطبهم من خلال قضايا المنطقة، قضايا السلام، قضايا الإنسانية، قضايا الاضطهاد والظلم الذي تتعرض له منطقتنا، دخل إلى الموضوع، دخل إلى رعيته من خلال قضاياها الوطنية وليس من خلال قضايا من خارج الوطن. وقد أكد دائماً على موضوع الوطنية. إذاً هو تحدث في الوقت ذاته عن قضايا المسلم أيضاً وهنا كان تعزيز لهذه العلاقة. أعطى رسالة للمسيحي أن قوته هي من خلال ارتباطه بوطنه وقضايا وطنه، وهذه القضية بالنسبة لنا في سوريا واضحة دائماً.
فإذاً هذه النقطة هي الأساس بالنسبة لتدعيم هذه العلاقة على مستوى منطقتنا، أن تفهم هذه المرجعية حقيقة مصلحة هذه الرعية، وهذا الأمر نفسه هو جوهر الإرشاد الرسولي في لبنان. قال للمسيحيين في لبنان: ?اندمجوا في مجتمعكم وليس العكس، لأنه يعرف أن الاندماج في مجتمعهم هو القوة لهم، والأمر ذاته عبرت عنه بكركي من خلال البيان.
لما تحدثت بكركي عن الموضوع العربي، أعطت رسالة قوية أولاً لرعيتها: انكم من أصل هذه المنطقة أنتم من هذا النسيج الاجتماعي لستم مفصولين عنه، أنتم مرتبطون بقضاياه … هذه الرسالة التي أعطوها للموارنة ليس من خلال خطاب موجه للموارنة وليس من خلال الحديث عن قضية تتعلق بالطائفة وإنما من خلال الحديث عن قضية وطنية وقومية تخص كل مواطن عربي، فإذاً في هذه الحالة عندما تربط هذه الطائفة بكل القضايا العربية إنما تعزز موقعها ليس بحدود بكركي في الجبل ولا بلبنان ولا بحدود انتشار الطائفة في سوريا ولبنان، بل على مستوى الوطن العربي، أي توسع انتماء مجموعة إلى وطن كبير جداً وبالتالي تعزز موقفها، هنا نربط بين موضوعين في هذا الشأن نقول: أن الأداء كان، عملاً صحيحاً يصب في مصلحة هذه الطائفة. وبالنسبة لنا كدولة يتطابق مع نظرتنا الوطنية والقومية، هذه هي نظرتنا للبيان.
القطب الواحد
؟ هناك بوادر شيء بدأ يتكون شكله غير واضح بعد، ترفضه الظروف المتسارعة أكثر من أن يكون له اعداد هناك كتل بدأت تظهر والله أعلم إن كانت ستصل إلى أن تكون قوى كبرى تكسر القطب الواحد إلخ وسوريا عانت لفترة طويلة عزلة من الغرب والجفاء مع الغرب… كيف تستطيع سوريا أن تستغل هذه الفرصة التاريخية وكيف ستستغلها لتحسين هذا الوضع، أي التقاء المصالح، وهذه فرصة نادرة تقريباً في التاريخ المعاصر بين سوريا وجزء من الغرب، إلى أين يمكن أن يؤدي هذا التطور وإلى أين ندفعه؟
? الرئيس الأسد: نحن التقينا معهم منذ أن بدأت تتأزم الأمور. التقينا مباشرة معهم على كثير من الأمور نحن بالاساس علاقاتنا جيدة مع أغلب هذه الدول ولكن الأزمات تفرض إما انقسام أو توحد. في هذه الأزمة بالذات تطابقت وجهات نظرنا معهم، وكان هناك تنسيق عالياً جداً من خلال مجلس الأمن وتصادف أن سوريا وألمانيا دولتان غير دائمتين كانتا فيه معاً، بالإضافة إلى فرنسا وروسيا والصين، الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والتي تربطنا معها علاقات جيدة منذ زمن طويل. وفي هذه الظروف من الطبيعي أن تزداد وتيرة التنسيق بيننا. واننا نعتقد اليوم أن العالم أغلبه يتوحد ضد الحرب. وهذا الأمر يعطي هامشاً كبيراً للحركة والمهم استغلاله.. ونحن نحاول استثماره بالشكل المقبول وربما الجيد لكن هناك إمكانية لأن يكون أفضل.
العبء والقلق؟
؟ لبنان بالرغم من الاستقرار والتحسن الملموس في وضعه، وعلى صعيد سوريا كدولة، هل يشكل لبنان بمشاكله عبئاً على السياسة الخارجية وعلى سوريا؟
? الرئيس الأسد: إذا كانت هناك مشاكل في سوريا فهي عبء على لبنان والعكس صحيح بشكل مباشر. لا نستطيع القول أن لبنان عبء، الحرب في لبنان كانت عبئاً مباشراً على سوريا، الخلافات في لبنان وبمستويات مختلفة ايضاً تشكل عبئاً على سوريا. الخلافات السياسية تعني أن البلد لا يسير إلى الأمام ونحن في سوريا نريد أن نسير إلى الأمام إذا بقي لبنان في الخلف فإنه يشكل عبئاً. فلذلك أية مشكلة تشكل عبئاً. لكن ذلك لا يعني أن الوطن أو الشعب هو الذي يشكل العبء. بل الأداء الخاطىء هو الذي يشكل العبء.
؟ هل مازال لبنان يشكل مصدر قلق بالنسبة إليكم؟
? الرئيس الأسد: على المستوى الشعبي بمعنى الأفكار الانقسامية والرهانات القديمة، أنا مطمئن أنها انتهت، تبقى هناك مجموعات ربما تبقى تعيش على هذا الماضي وهي موجودة لم تنته لكن تأثيرها لم يعد له قيمة.
لا نخاف على الانتفاضة
؟ في خطابكم في مجلس الشعب قلتم جملة ممتازة خلاصتها ?أن مقاوماً واحداً فعل أكثر مما فلعناه بكثير . هل تخافون على الانتفاضة حالياً ضمن التطورات الحالية وهل لدى الانتفاضة المدى المطلوب، املاك الفلسطينيين تدمر وأرزاقهم تحرق وتنسف وليس هناك دعم لا بالسلاح ولا بالغذاء ولا حتى بالمال؟
? الرئيس الأسد: ليست هناك حدود مباشرة بيننا وبين الفلسطينيين، ولانستطيع أن نقيّم الوضع إلا من خلال مانسمعه من الفلسطينيين هم أنفسهم عندما يأتون إلى سوريا يقولون لنا: لاتخافوا علينا نحن مصممون. نحن نشاهد هذا التصميم في الإعلام، وانطلاقاً من هذا لانخاف. ولكن إذا كانت هناك حالة شعبية نتمسك بها ونعتبرها أن لها دورها الإيجابي نبقى قلقين عليها من أية مؤامرة، والمؤامرات كثيرة على الانتفاضة. فلذلك يبقى هناك نوع من القلق كيلا تنجح أية مؤامرة لكن حتى الآن نحن مطمئنون أن الشعب الفلسطيني لديه رؤية واضحة، وقد كشف كل الخدع التي لم تعد تنطلي عليه.
خطاب القسم
؟ في خطابكم أمام مجلس الشعب تحدثتم عن الحريات، كثير من الناس اعتبروا أن هناك تراجعاً في هذا الشأن عن الكلام الذي قيل في خطاب القسم.
? الرئيس الأسد: أولاً في خطاب القسم لا توجد وعود، هناك وعد وحيد قلت: أنا لا أعدكم بشيء إلا بالعمل المتواصل. وأنا أعلم ما يتحدث به الناس. وقد عرفت خطاب القسم في كلمتي أمام مجلس الشعب وقلت أن خطاب القسم منهج تفكير وليس خطة تنفيذ. منهج تفكير كيف افكر أما كيف انفذ فيعتمد على الأدوات. الآن منهج تفكيري هو أننا ضد العدوان، أفلا يجب امتلاك الأدوات لأوقف ضد العدوان؟
النقطة الثانية كانت هناك أمال كبيرة وهي في تراجع بالنسبة لمجموعة معينة من الأشخاص. المجموعة التي فهمت الخطاب خطأ أو أرادت أن تفهمه خطأ. ولما فهمته بصورة صحيحة كما شرحته أصبح هناك بالنسبة لها تراجع في الآمال. وهناك مجموعة تعتقد أن الحرية مطلقة. لاتوجد حرية مطلقة، أنا لم أقل في خطاب القسم أن الحرية مطلقة، ولم أقل بنسف الماضي، أنا تكلمت عن القاعدة التي وضعها القائد الخالد حافظ الأسد تحدثت عن التاريخ تحدث عن كوننا نحن استمرارية للماضي، أما هؤلاء فجاؤوا وقالوا إن خطاب القسم هو انفصال عن الماضي. أن يكون هناك تراجع من وجهة نظرهم فهذا صحيح، لأن وجهة نظرهم تختلف عن معنى الخطاب. وأنا الذي ألقيت الخطاب وأنا الذي أعرف معناه، خطابي وكتابتي وأفكاري فأنا أوضحت الأفكار. قلت: الحرية هي حرية مسؤولة، حرية بمعنى أن فيها التزاماً، قلت ان التسامح هو محبة وليس ضعفاً. هناك أناس أسموه ضعفاً. وفي لبنان فهم البعض إعادة الانتشار ضعفاً، ولكن فيما بعد فهموه قوة، مع انها العملية نفسها، منذ سنتين فهموه ضعفاً واليوم فهموه قوة، بالنسبة لنا كانت إعادة الانتشار تستند إلى منطق واحد.
الاصلاح الاقتصادي
؟ في موضوع الوضع داخل سوريا، هناك جانب تنمية المؤسسات الاقتصادية والمؤسسات غير السياسية بشكل مباشر. وهو ما أقدمتم عليه منذ البداية. والسؤال هو إلى أين تعتبرون أنكم توصلتم بهذا الموضوع؟
? الرئيس الأسد: لقد تكلمت عن هذا الأمر بشكل واضح في الخطاب في مجلس الشعب وقلت أنه يوجد لدينا الكثير من العراقيل. ولكن كما قلت ان الأمر الأساسي هو إذا لم تكن لديك إدارة فلن تستفيد من أي تطوير. يبقى التطوير مضمونه ضعيفاً جداً. تحتاج إلى من يدير أي عمل. من يدير قانوناً، من يدير أموالاً، من يدير أشخاصاً ومؤسسات. المطلوب اليوم لكي نثبت أنفسنا على مستوى العالم، أن نكون قادرين على المنافسة في هذا العالم. وأهم نقاط قوة المنافسة هي الإدارة المتطورة. أستطيع أن أقول أن أمامنا عملاً كثيراً لكن يوجد فرق بين أن نعتمد على إمكاناتنا وننطلق من المكان الذي وصلنا إليه وبين أن نعتمد على إمكانات الآخرين في المكان الذي وصلوا إليه. فالأفضل أن ننطلق من حيث انتهى الآخرون لكي نستطيع أن نقلع بشكل سريع. هناك أشياء نستطيع أن نطورها، ولكن هناك أشياء إذا أردنا تطويرها نحتاج لوقت طويل، وقد تكون النوعية أقل مما هو موجود في العالم. فنحن للاختصار نبدأ من حيث انتهى الآخرون، وعندها نستطيع أن نقيّم فعلاً أين وصلنا في المجالات الأخرى.
أنا أقول أن التطوير الحقيقي هو ما نبتكره نحن. ولكي نبتكر نحتاج إلى قاعدة علمية ومعرفية. نستطيع اليوم أن نبتكر، ولكن هل نعيد ابتكار ما ابتكره الآخرون؟ عندما نبدأ من المكان الذي انتهوا منه وتكون لدينا القاعدة العلمية القوية نبتكر أشياء جديدة وتناسبنا نحن بشكل أفضل.
؟ وما مدى تشجيع القطاع الخاص على النمو بشكل أفضل، خاصة في وضع سوريا حيث المؤسسات العامة والقطاع العام يأخذان الحيز الكبير، كيف تطورون القطاع الخاص وهو الموضوع الذي تأخرتم فيه، أين هو من سلّم الأولويات؟
? الرئيس الأسد: القطاع الخاص بالدرجة الأولى سوف يتطور من خلال القوانين التي تشجع الاستثمار والحركة الاقتصادية بالإضافة إلى تحسين مناخ الاستثمار بشكل عام. بشكل أساسي، طبعاً القطاع الخاص لديه منظماته، كغرفة التجارة وغرفة الصناعة التي تقع عليهما مسؤوليات أخرى في هذا المجال. ونحن نحضر الآن قانوناً جديداً للضريبة، وأفترض أنه سيكون عصرياً ويحل الكثير من الإشكالات التي تعرقل الاستثمار في سوريا. إن القانون المعمول به قديم جداً، وقد آن أن نتحرك إلى الأمام.
???
انتبهنا، متأخرين إلى الوقت…
كان الصمت قد حلّ بعد ان فرغ المؤذن من اطلاق أذان الظهر.
وكنا قد عرفنا الكثير مما ذهبنا في طلبه، فقمنا نشكر الرئيس الدكتور بشار الاسد على وقته وعلى صراحته، وعلى دقته… أما مواقفه فقد عبّر الناس جميعاً عن تقديرهم لشجاعتها وتجاوبها الصادق مع تمنياتهم ومشاعرهم الاصلية.
نبذة عن طلال سلمان
بحث
الأرشيف
- ديسمبر 2023 (7)
- نوفمبر 2023 (34)
- أكتوبر 2023 (40)
- سبتمبر 2023 (41)
- أغسطس 2023 (135)
- يوليو 2023 (15)
- يونيو 2023 (10)
- مايو 2023 (18)
- أبريل 2023 (18)
- مارس 2023 (101)
- فبراير 2023 (15)
- يناير 2023 (17)
- ديسمبر 2022 (23)
- نوفمبر 2022 (20)
- أكتوبر 2022 (14)
- سبتمبر 2022 (21)
- أغسطس 2022 (16)
- يوليو 2022 (15)
- يونيو 2022 (13)
- مايو 2022 (15)
- أبريل 2022 (21)
- مارس 2022 (14)
- فبراير 2022 (15)
- يناير 2022 (21)
- ديسمبر 2021 (20)
- نوفمبر 2021 (1)
- أكتوبر 2021 (22)
- سبتمبر 2021 (25)
- أغسطس 2021 (18)
- يوليو 2021 (19)
- يونيو 2021 (20)
- مايو 2021 (17)
- أبريل 2021 (21)
- مارس 2021 (23)
- فبراير 2021 (29)
- يناير 2021 (35)
- ديسمبر 2020 (28)
- نوفمبر 2020 (39)
- أكتوبر 2020 (34)
- سبتمبر 2020 (43)
- أغسطس 2020 (42)
- يوليو 2020 (43)
- يونيو 2020 (43)
- مايو 2020 (73)
- أبريل 2020 (82)
- مارس 2020 (62)
- فبراير 2020 (43)
- يناير 2020 (49)
- ديسمبر 2019 (58)
- نوفمبر 2019 (63)
- أكتوبر 2019 (92)
- سبتمبر 2019 (60)
- أغسطس 2019 (62)
- يوليو 2019 (76)
- يونيو 2019 (62)
- مايو 2019 (55)
- أبريل 2019 (48)
- مارس 2019 (46)
- فبراير 2019 (46)
- يناير 2019 (50)
- ديسمبر 2018 (47)
- نوفمبر 2018 (53)
- أكتوبر 2018 (49)
- سبتمبر 2018 (37)
- أغسطس 2018 (68)
- يوليو 2018 (72)
- يونيو 2018 (59)
- مايو 2018 (55)
- أبريل 2018 (51)
- مارس 2018 (50)
- فبراير 2018 (46)
- يناير 2018 (50)
- ديسمبر 2017 (49)
- نوفمبر 2017 (48)
- أكتوبر 2017 (61)
- سبتمبر 2017 (52)
- أغسطس 2017 (59)
- يوليو 2017 (67)
- يونيو 2017 (46)
- مايو 2017 (55)
- أبريل 2017 (60)
- مارس 2017 (74)
- فبراير 2017 (31)
- يناير 2017 (16)
- ديسمبر 2016 (24)
- نوفمبر 2016 (13)
- أكتوبر 2016 (11)
- سبتمبر 2016 (12)
- أغسطس 2016 (22)
- يوليو 2016 (14)
- يونيو 2016 (15)
- مايو 2016 (13)
- أبريل 2016 (13)
- مارس 2016 (20)
- فبراير 2016 (14)
- يناير 2016 (14)
- ديسمبر 2015 (14)
- نوفمبر 2015 (15)
- أكتوبر 2015 (15)
- سبتمبر 2015 (11)
- أغسطس 2015 (19)
- يوليو 2015 (16)
- يونيو 2015 (17)
- مايو 2015 (15)
- أبريل 2015 (16)
- مارس 2015 (13)
- فبراير 2015 (15)
- يناير 2015 (15)
- ديسمبر 2014 (17)
- نوفمبر 2014 (13)
- أكتوبر 2014 (16)
- سبتمبر 2014 (17)
- أغسطس 2014 (18)
- يوليو 2014 (14)
- يونيو 2014 (16)
- مايو 2014 (17)
- أبريل 2014 (19)
- مارس 2014 (23)
- فبراير 2014 (13)
- يناير 2014 (16)
- ديسمبر 2013 (12)
- نوفمبر 2013 (13)
- أكتوبر 2013 (14)
- سبتمبر 2013 (28)
- أغسطس 2013 (16)
- يوليو 2013 (22)
- يونيو 2013 (16)
- مايو 2013 (15)
- أبريل 2013 (15)
- مارس 2013 (15)
- فبراير 2013 (13)
- يناير 2013 (15)
- ديسمبر 2012 (16)
- نوفمبر 2012 (11)
- أكتوبر 2012 (13)
- سبتمبر 2012 (14)
- أغسطس 2012 (29)
- يوليو 2012 (16)
- يونيو 2012 (11)
- مايو 2012 (14)
- أبريل 2012 (15)
- مارس 2012 (14)
- فبراير 2012 (15)
- يناير 2012 (15)
- ديسمبر 2011 (17)
- نوفمبر 2011 (14)
- أكتوبر 2011 (16)
- سبتمبر 2011 (11)
- أغسطس 2011 (15)
- يوليو 2011 (17)
- يونيو 2011 (19)
- مايو 2011 (19)
- أبريل 2011 (10)
- مارس 2011 (14)
- فبراير 2011 (13)
- يناير 2011 (14)
- ديسمبر 2010 (16)
- نوفمبر 2010 (14)
- أكتوبر 2010 (14)
- سبتمبر 2010 (12)
- أغسطس 2010 (23)
- يوليو 2010 (10)
- يونيو 2010 (19)
- مايو 2010 (18)
- أبريل 2010 (12)
- مارس 2010 (14)
- فبراير 2010 (16)
- يناير 2010 (16)
- ديسمبر 2009 (14)
- نوفمبر 2009 (12)
- أكتوبر 2009 (17)
- سبتمبر 2009 (8)
- أغسطس 2009 (27)
- يوليو 2009 (16)
- يونيو 2009 (23)
- مايو 2009 (14)
- أبريل 2009 (16)
- مارس 2009 (17)
- فبراير 2009 (14)
- يناير 2009 (10)
- ديسمبر 2008 (10)
- نوفمبر 2008 (10)
- أكتوبر 2008 (9)
- سبتمبر 2008 (11)
- أغسطس 2008 (13)
- يوليو 2008 (15)
- يونيو 2008 (15)
- مايو 2008 (10)
- أبريل 2008 (10)
- مارس 2008 (19)
- فبراير 2008 (14)
- يناير 2008 (18)
- ديسمبر 2007 (14)
- نوفمبر 2007 (17)
- أكتوبر 2007 (22)
- سبتمبر 2007 (20)
- أغسطس 2007 (21)
- يوليو 2007 (22)
- يونيو 2007 (17)
- مايو 2007 (3)
- أبريل 2007 (6)
- مارس 2007 (5)
- فبراير 2007 (10)
- يناير 2007 (15)
- ديسمبر 2006 (21)
- نوفمبر 2006 (28)
- أكتوبر 2006 (29)
- سبتمبر 2006 (34)
- أغسطس 2006 (30)
- يوليو 2006 (27)
- يونيو 2006 (26)
- مايو 2006 (28)
- أبريل 2006 (26)
- مارس 2006 (30)
- فبراير 2006 (13)
- يناير 2006 (11)
- ديسمبر 2005 (15)
- نوفمبر 2005 (8)
- أكتوبر 2005 (12)
- سبتمبر 2005 (8)
- أغسطس 2005 (17)
- يوليو 2005 (17)
- يونيو 2005 (12)
- مايو 2005 (11)
- أبريل 2005 (17)
- مارس 2005 (12)
- فبراير 2005 (12)
- يناير 2005 (14)
- ديسمبر 2004 (10)
- نوفمبر 2004 (13)
- أكتوبر 2004 (12)
- سبتمبر 2004 (16)
- أغسطس 2004 (13)
- يوليو 2004 (16)
- يونيو 2004 (12)
- مايو 2004 (11)
- أبريل 2004 (13)
- مارس 2004 (9)
- فبراير 2004 (11)
- يناير 2004 (10)
- ديسمبر 2003 (14)
- نوفمبر 2003 (13)
- أكتوبر 2003 (14)
- سبتمبر 2003 (14)
- أغسطس 2003 (15)
- يوليو 2003 (14)
- يونيو 2003 (10)
- مايو 2003 (13)
- أبريل 2003 (16)
- مارس 2003 (14)
- فبراير 2003 (9)
- يناير 2003 (15)
- ديسمبر 2002 (13)
- نوفمبر 2002 (15)
- أكتوبر 2002 (13)
- سبتمبر 2002 (17)
- أغسطس 2002 (20)
- يوليو 2002 (13)
- يونيو 2002 (17)
- مايو 2002 (13)
- أبريل 2002 (12)
- مارس 2002 (14)
- فبراير 2002 (9)
- يناير 2002 (13)
- ديسمبر 2001 (16)
- نوفمبر 2001 (16)
- أكتوبر 2001 (18)
- سبتمبر 2001 (14)
- أغسطس 2001 (22)
- يوليو 2001 (25)
- يونيو 2001 (17)
- مايو 2001 (17)
- أبريل 2001 (15)
- مارس 2001 (18)
- فبراير 2001 (18)
- يناير 2001 (17)
- ديسمبر 2000 (19)
- نوفمبر 2000 (18)
- أكتوبر 2000 (18)
- سبتمبر 2000 (19)
- أغسطس 2000 (28)
- يوليو 2000 (14)
- يونيو 2000 (23)
- مايو 2000 (18)
- أبريل 2000 (16)
- مارس 2000 (19)
- فبراير 2000 (17)
- يناير 2000 (7)
- ديسمبر 1999 (6)
- نوفمبر 1999 (11)
- أكتوبر 1999 (7)
- سبتمبر 1999 (5)
- أغسطس 1999 (13)
- يوليو 1999 (19)
- يونيو 1999 (16)
- مايو 1999 (15)
- أبريل 1999 (21)
- مارس 1999 (26)
- فبراير 1999 (17)
- يناير 1999 (15)
- ديسمبر 1998 (21)
- نوفمبر 1998 (15)
- أكتوبر 1998 (16)
- سبتمبر 1998 (16)
- أغسطس 1998 (12)
- يوليو 1998 (20)
- يونيو 1998 (9)
- مايو 1998 (18)
- أبريل 1998 (10)
- مارس 1998 (13)
- فبراير 1998 (11)
- يناير 1998 (14)
- ديسمبر 1997 (16)
- نوفمبر 1997 (9)
- أكتوبر 1997 (10)
- سبتمبر 1997 (20)
- أغسطس 1997 (6)
- يوليو 1997 (14)
- يونيو 1997 (10)
- مايو 1997 (8)
- أبريل 1997 (17)
- مارس 1997 (17)
- فبراير 1997 (12)
- يناير 1997 (14)
- ديسمبر 1996 (13)
- نوفمبر 1996 (19)
- أكتوبر 1996 (17)
- سبتمبر 1996 (16)
- أغسطس 1996 (20)
- يوليو 1996 (20)
- يونيو 1996 (15)
- مايو 1996 (23)
- أبريل 1996 (23)
- مارس 1996 (19)
- فبراير 1996 (16)
- يناير 1996 (18)
- ديسمبر 1995 (11)
- نوفمبر 1995 (20)
- أكتوبر 1995 (19)
- سبتمبر 1995 (11)
- أغسطس 1995 (17)
- يوليو 1995 (16)
- يونيو 1995 (18)
- مايو 1995 (12)
- أبريل 1995 (19)
- مارس 1995 (20)
- فبراير 1995 (20)
- يناير 1995 (13)
- ديسمبر 1994 (23)
- نوفمبر 1994 (18)
- أكتوبر 1994 (14)
- سبتمبر 1994 (19)
- أغسطس 1994 (16)
- يوليو 1994 (24)
- يونيو 1994 (19)
- مايو 1994 (8)
- أبريل 1994 (22)
- مارس 1994 (12)
- فبراير 1994 (15)
- يناير 1994 (15)
- ديسمبر 1993 (14)
- نوفمبر 1993 (3)
- أكتوبر 1993 (17)
- سبتمبر 1993 (20)
- أغسطس 1993 (22)
- يوليو 1993 (17)
- يونيو 1993 (12)
- مايو 1993 (13)
- أبريل 1993 (14)
- مارس 1993 (14)
- فبراير 1993 (12)
- يناير 1993 (15)
- ديسمبر 1992 (21)
- نوفمبر 1992 (19)
- أكتوبر 1992 (18)
- سبتمبر 1992 (15)
- أغسطس 1992 (15)
- يوليو 1992 (15)
- يونيو 1992 (9)
- مايو 1992 (17)
- أبريل 1992 (15)
- مارس 1992 (12)
- فبراير 1992 (20)
- يناير 1992 (14)
- ديسمبر 1991 (12)
- نوفمبر 1991 (18)
- أكتوبر 1991 (17)
- سبتمبر 1991 (18)
- أغسطس 1991 (21)
- يوليو 1991 (6)
- يونيو 1991 (17)
- مايو 1991 (15)
- أبريل 1991 (6)
- مارس 1991 (5)
- فبراير 1991 (2)
- يناير 1991 (10)
- ديسمبر 1990 (10)
- نوفمبر 1990 (16)
- أكتوبر 1990 (3)
- أغسطس 1990 (15)
- يوليو 1990 (13)
- يونيو 1990 (9)
- مايو 1990 (15)
- أبريل 1990 (4)
- مارس 1990 (9)
- فبراير 1990 (10)
- يناير 1990 (16)
- ديسمبر 1989 (6)
- نوفمبر 1989 (16)
- أكتوبر 1989 (19)
- سبتمبر 1989 (6)
- أغسطس 1989 (5)
- يوليو 1989 (5)
- يونيو 1989 (1)
- مايو 1989 (9)
- أبريل 1989 (19)
- مارس 1989 (6)
- فبراير 1989 (10)
- يناير 1989 (6)
- ديسمبر 1988 (9)
- نوفمبر 1988 (6)
- أكتوبر 1988 (6)
- سبتمبر 1988 (13)
- أغسطس 1988 (17)
- يوليو 1988 (1)
- يونيو 1988 (4)
- مايو 1988 (5)
- أبريل 1988 (3)
- مارس 1988 (10)
- فبراير 1988 (2)
- يناير 1988 (9)
- ديسمبر 1987 (1)
- نوفمبر 1987 (9)
- أكتوبر 1987 (5)
- أغسطس 1987 (10)
- يوليو 1987 (2)
- يونيو 1987 (7)
- مايو 1987 (3)
- أبريل 1987 (1)
- مارس 1987 (4)
- فبراير 1987 (13)
- يناير 1987 (7)
- ديسمبر 1986 (3)
- سبتمبر 1986 (1)
- أغسطس 1986 (3)
- يوليو 1986 (5)
- مايو 1986 (3)
- أبريل 1986 (2)
- مارس 1986 (1)
- فبراير 1986 (5)
- يناير 1986 (6)
- ديسمبر 1985 (2)
- نوفمبر 1985 (3)
- أكتوبر 1985 (2)
- يوليو 1985 (2)
- يونيو 1985 (4)
- أبريل 1985 (4)
- فبراير 1985 (2)
- نوفمبر 1984 (1)
- سبتمبر 1984 (4)
- أغسطس 1984 (5)
- يونيو 1984 (7)
- مايو 1984 (5)
- أبريل 1984 (13)
- مارس 1984 (13)
- فبراير 1984 (1)
- يناير 1984 (3)
- ديسمبر 1983 (7)
- أغسطس 1983 (7)
- يوليو 1983 (5)
- يونيو 1983 (7)
- مايو 1983 (7)
- أبريل 1983 (5)
- مارس 1983 (4)
- فبراير 1983 (11)
- يناير 1983 (17)
- نوفمبر 1982 (1)
- مايو 1982 (5)
- مارس 1982 (1)
- نوفمبر 1981 (2)
- أكتوبر 1981 (3)
- سبتمبر 1981 (1)
- أغسطس 1981 (7)
- يوليو 1981 (3)
- مايو 1981 (4)
- أبريل 1981 (9)
- مارس 1981 (2)
- نوفمبر 1980 (1)
- أكتوبر 1980 (2)
- أغسطس 1980 (7)
- يوليو 1980 (3)
- يونيو 1980 (4)
- مايو 1980 (3)
- أبريل 1980 (2)
- فبراير 1980 (1)
- يناير 1980 (3)
- ديسمبر 1979 (1)
- نوفمبر 1979 (1)
- أكتوبر 1979 (1)
- سبتمبر 1979 (1)
- أغسطس 1979 (4)
- يوليو 1979 (5)
- يونيو 1979 (3)
- مايو 1979 (1)
- مارس 1979 (2)
- فبراير 1979 (1)
- يناير 1979 (1)
- نوفمبر 1978 (1)
- أكتوبر 1978 (1)
- سبتمبر 1978 (4)
- أغسطس 1978 (2)
- يوليو 1978 (1)
- يونيو 1978 (2)
- فبراير 1978 (1)
- نوفمبر 1977 (5)
- أكتوبر 1977 (3)
- سبتمبر 1977 (3)
- أغسطس 1977 (1)
- يوليو 1977 (5)
- مايو 1977 (1)
- فبراير 1977 (2)
- يناير 1977 (3)
- ديسمبر 1976 (1)
- نوفمبر 1976 (1)
- أكتوبر 1976 (7)
- سبتمبر 1976 (3)
- أغسطس 1976 (3)
- يوليو 1976 (5)
- يونيو 1976 (1)
- مايو 1976 (1)
- أبريل 1976 (1)
- يناير 1976 (7)
- ديسمبر 1975 (7)
- نوفمبر 1975 (7)
- أكتوبر 1975 (6)
- سبتمبر 1975 (4)
- أغسطس 1975 (15)
- يوليو 1975 (10)
- يونيو 1975 (5)
- مايو 1975 (9)
- أبريل 1975 (10)
- مارس 1975 (11)
- فبراير 1975 (16)
- يناير 1975 (14)
- ديسمبر 1974 (4)
- نوفمبر 1974 (8)
- أكتوبر 1974 (13)
- سبتمبر 1974 (9)
- أغسطس 1974 (34)
- يوليو 1974 (11)
- يونيو 1974 (14)
- مايو 1974 (6)
- أبريل 1974 (8)
- مارس 1974 (4)
- أغسطس 1973 (1)
- أغسطس 1970 (1)
- أغسطس 1967 (1)
- أغسطس 1966 (4)
- أغسطس 1965 (1)
- أغسطس 1960 (1)
- أغسطس 1958 (1)
- أغسطس 1950 (1)