طلال سلمان

السفير مصطفى زين: رجل عاش باختياره

ولا شيء من التحفظ لأمكن القول إن السفير مصطفى زين قد اختار موعد رحيله كما اختار، دائماً، نمط حياته، بكل تفاصيلها، فلم يترك لأحد أو لأمر ان يغلبه على ما قرره من سلوك.
لقد عاش هذا الفتى النابه الذي ولد في بيت »فلاح مكفيّ« والذي كان يشبه في قديم الزمان بأنه »سلطان مخفي«، أيامه كما يريد ويرتاح، متخففاً من المجاملات، برغم انتمائه إلى السلك الخارجي. لذلك كان أصدقاؤه قلة وقد اختارهم بعناية فائقة، بحيث لا يشغلهم بنفسه ولا ينشغل إلا بما يستطيع المساهمة في حله من مشكلاتهم أو همومهم.
كان مصطفى زين، الذي لا يحب ركوب الطائرات، يحاول ان يختار مواقع خدمته، كملحق ثم كمستشار ثم كسفير، في بلاد يمكن الوصول إليها براً، مهما كانت قصية… كذلك كان يختار من الكتب ما يجد فائدة في قراءته، ويختار لكتاباته وهو صاحب قلم نابه ما يحب من الموضوعات وما يشعر انه يملك ما يقوله فيها مختلفاً عما سبق لغيره أن قال.
ولأنه لم يكن يحبّ الغرق في مجاملات القربى والنسب والجوار في البلدة ومحيطها، فقد كان لا يزور مسقط رأسه شمسطار إلا نادراً، ولا يمكث فيها طويلاً، حتى بعد أن تقاعد من السلك الخارجي.
لقد انتمى »ابن الحاج« في مطلع شبابه إلى الحزب الشيوعي، لكنه كان يعشق أن يمارس حريته الفكرية، فاصطدم »بالجدار الحديدي« (والكلام عن الخمسينات من القرن الماضي)، وهكذا ترك الحزب »مطروداً«؛ ولكنه لم يخسر انسجامه مع نفسه.
مصطفى زين الذي عرف بلاداً كثيرة، عشق تركيا بالذات، وأُعجب حتى الانبهار بشخصية كمال أتاتورك إلى حدّ انه كتب عنه كتاباً… ورغم انه كان مقلاً في كتاباته فقد كان يكسر حاجز الصمت حين يرى ما لا يجوز السكوت عنه، فيكتب وينشر لكي يبرئ ذمته تجاه نفسه، وما يعتقد انه الحق.
رحم الله مصطفى زين الذي عاش وحيداً، باختياره، إلا من نفر من الأصدقاء.
ثم غادر الدنيا، بهدوء، ودون أن يكلّف أحداً من أهله أو أصدقائه فوق ما يطيق.
لقد كان نسيج ذاته، ولم يفعل إلا ما اختار فعله، وليس في سجله أنه آذى إنساناً أو شجرة أو فكرة. رحمه الله، والعزاء لأخيه الحاج مهدي وأبنائه الذين كانوا يطاردونه بحبّهم حتى وهو يهرب حتى لا يثقل عليهم.

Exit mobile version