بالهدواء الوادع الذي تميز به عبد الله الراسي انسحب “الحكيم” أمس من وسط عائلته ومن بين محبيه الكثير عائداً إلى بارئه.
بهدوء مثير خاض معركته مع المرض العضال، مسجلاً قدرة هائلة على التحمل، على التعلق بالحياة، على المضي قدماً في ما كان ينتويه أو يعمل له. لعله كان يعتبر أنه إنما يتصرف بالعمر الثاني الذي كتب له بعد تفجير الطوافة في 1/6/1987 واستشهاد رئيسه ورفيق السلاح رشيد كرامي.
كان يذوب، يومياً، لكن ابتسامته لا تشحب ولا تغيب. وكان يصر على أن يقوم بواجباته كاملة، في المجلس النيابي، ومع ناخبيه وأهله في عكار وسائر الشمال، ومع أصدقائه الذين كانوا يشفقون عليه ثم يفاجأون به مشفقاً عليهم.
كان يعرف، وكان يقدر على مواجهة المعرفة المؤلمة. لذا لم يستطع الموت أن يباغته، بل ظل يواجهه كل ساعة لمدة عامين ونصف العام… وحتى عندما جاء وقت الانطفاء كان حاضراً تماماً، وكان يحس بالرضا عن النفس فكريم والدكتور طلال وجميل وسائر الأنجال قد عرفوا طريقهم ومضوا يكملون ما أرادوه وأراده معهم لحياتهم.
رحل “الآدمي” عبد الله الراسي، الطيب، الدمث، حتى لكأنه طفل كبير.
وهو قد رحل راضياً مرضياً، فقد أنجز ما يقدر عليه، وما كان ليقدر لولا رفيقة العمر الشجاعة والحصيفة سونيا، التي لم تكن أقل منه قدرة على التحمل والصمود.
لقد نقص “الأوادم” من السياسيين في لبنان واحداً، وغاب وجه شمالي كان قريباً من النموذج المجسم لإرادة العيش المشترك ومجابهة الطائفيات والمذهبيات والإصرار على دولة واحدة لشعب واحد،
رحم الله الدكتور عبد الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان