قال الحاج عباس لابنه محمد:
خذ بيدي إلى الشرفة، لقد أتعبني الرقاد، أريد أن أملأ صدري بالهواء النقي، في انتظار الآذان.
إن الغروب يسدل أستار العتمة تدريجياً،
وبيوت البلدة التي يعرف بالتحديد من بنى كلاً منها ومتى تتوزع من حوله على أطراف التلة التي كانت في صباه جرداء تماماً، لا زرع فيها ولا بناء،
تنهّد الحاج عباس وقال كمن يحدث نفسه:
كبرت شمسطار كثيراً. لم تعد قرية. صارت أحياء متعددة، ما يحدث في حي منها لا يعرف به حتى الأقرباء في الحي الآخر. كنا نلتقي بعضاً بعضاً عشر مرات في اليوم، ويعرف واحدنا كل الآخرين وكل شيء عنهم.
صمت قليلاً ثم سأل ابنه:
الحرب الإسرائيلية مستمرة. شاهدت مناظر محزنة في النهار على شاشة التلفزيون. لقد قطعوا عنا الكهرباء وأغرقونا في الظلام، إنهم مظلمو القلوب. إنهم يقتلون الأطفال.. هل رأيت الصور؟! إنها صور تدمي القلوب. قاتلهم الله.
أذّن الشيخ لصلاة العشاء، فقال الحاج عباس لابنه محمد: سأصلي هنا، إدخل أنت إذا أحببت.. سوف…
… ودوّى الانفجار عنيفاً، يصمّ الآذان.
تهاوت بعض البيوت العتيقة، وطارت أبواب وشبابيك ومفروشات وأوانٍ منزلية، وارتفعت صرخات استغاثة، قبل أن يسود صمت عميق سرعان ما قطعته صيحات الشباب وهم يهرعون إلى نجدة المستهدفين بالقصف الإسرائيلي.
كان الحاج عباس العزير ما يزال على كرسيّه وهالة من الدم تكلل وجهه، أما ابنه محمد الذي أُصيب بجراح خطيرة فقد تماسك ليحاول نجدة أبيه، لكنه تهاوى أرضاً، وإن سمعه يتمتم: الله أكبر منهم، الله أكبر، الله أكبر..
وحين وصل الشباب قرأوا الفاتحة، ثم أدخلوا الحاج عباس إلى ما تبقى من البيت، بينما حملوا ابنه محمد مع الجرحى الكثيرين الآخرين إلى المستشفى وهم يهزجون للمقاومة.
ط. س