تحت ستار كثيف من العاطفة والوفاء والإفتقار الى بديل تجري محاولة لاغتيال الفقيد الكبير جوزف مغيزل.
إنهم يحولون هذا »الديمقراطي بامتياز« إلى شيخ قبيلة، ويحولون أسرته من مجموعة مناضلين من أجل الآخرين، كرامتهم وحقوقهم وإنسانيتهم، الى »عائلة حاكمة« يجري في شرايينها الدم الأزرق!
إنهم يسيئون الى »محامي الانسان العربي« الذي شكل فوزه بالنيابة، مع قلة قليلة من أمثاله في الإيمان بقضية الانسان والحرية، ثم شكل »اختياره« وزيرا، اختراقا لمجموعة من السدود والقيود التي كانت تمنع على مثله الوصول الى الصفوف »الرسمية الأولى«.
وهم يسيئون الى الذين احترموا في جوزف مغيزل تراثه كداعية لحقوق الانسان ومكافح من أجل حرية الرأي والفكر والمعتقد، وأحبوه وحفظوا ذكراه في قلوبهم، إذ يمسخون ارتباطهم الطاهر المطهر به والمرتكز الى قيم راسخة، ويجعلونه مجرد »ولاء« قبلي لزعيم إقطاعي.
في لحظة كهذه تتكشف حقيقة هذا النادي السياسي في لبنان، فإذا هو يسبح في المستنقع الطائفي والمذهبي، يخاف ان يغادره لأنه لا يريد أن يواجه الشمس، ولا يريد ان يحمِّل نفسه عناء المجابهة مع الأمر الواقع المتخلف والوحشي والذي يمتهن إنسانية الإنسان قبل أفكاره وقيمه.
في لحظة كهذه تتهاوى الأكاذيب والخرافات حول »ديمقراطية« النظام ويتبدى عاريا تماما: لا مكان فيه لأصحاب الأفكار، أو أصحاب الأحلام وللشرفاء الذين يأكلون خبزهم بعرق جبينهم، لا ينافقون السلطان ويرفعونه الى مرتبة تجعله »دون الخالق وفوق المخلوق«، ولا يضربون بسيفه ويروجون »لمناقبه«…
ابن ذلك الطبيب من تبنين، في أقصى الجنوب، على حدود فلسطين، هو جوزف مغيزل،
ابن الناس الطبيعيين الذين لا يستعلون ولا يطلبون السلطة ولو على جثث الآخرين، أو على جثة تاريخهم الشخصي،
فالذي هجر الكتائب عشية »قبول« هذا الحزب الطائفي في نادي الحكم، لم يكن يطلب الانتساب الى النادي السياسي بأي ثمن،
وأسرته التي وقفت معه وهو يضحي بالمغريات المادية والسلطوية لم تكن تنتظر وفاته لكي تطالب بحصر إرث الزعامة فيها، وهي التي لم تطلبها في أي يوم.
من ترك الكتائب الى العروبة لم يكن يطلب السلطة في لبنان، بل كان ينتقل الى الموقع المناهض لها، لكي يستطيع حماية مبادئه.
لقد كان دخول جوزف مغيزل نادي الحكم استثناء يؤكد القاعدة ولا يلغيها… فكثير من الناس اعتبروا ان الحكام ادخلوه »جنتهم« لكي يستروا به الكثير من عوراتهم التي لم تلبث ان تكشفت بكل بشاعتها لحظة غيابه.
رحم ا” جوزف مغيزل… وليرحمه »الناس« بان يتركوه يرقد بهدوء في مثواه الاخير، وليدعوا اسرته تواصل حياتها في ظلال ذكراه العطرة وتراثه الذي اضاف اليه الموت ولم يحسم منه.
* * *
انهم يقتلون الصحافة
في الجزائر يقتلون الصحافيين والكتاب والمفكرين،
وفي مصر تجري الان محاولة جديدة لقتل الصحافة والكتابة والفكر وحرية القول، والاهم: حرية الاختلاف مع الحاكم، لا سيما متى اخطأ، وليس بين حكامنا الا الخطأة.
واذا كان القتل قد صار في الجزائر، ومع الاسف، لغة التخاطب اليومي بين النظام الدموي والمعارضة التي تواجهه الان بالسلاح نفسه، فان الخسارة تتجاوز الصحافة والصحافيين بل والنظام ذاته والمعارضة لتهدد الجزائر في وحدتها وفي وجودها كدولة كانت الابهى والاعظم رصيدù بين العرب.
اما في مصر فان الافتئات الجديد على الحد الادنى من الحقوق المتبقية للمعارضة، والتي تكاد تتلخص ببعض الكتابات النقدية، هو محاولة لاغتيال روح مصر وكرامة شعبها المطحون بالجوع وبالضغوط الاميركية والاسرائيلية.
ولاننا في لبنان اصحاب تجربة مع القوانين الجائرة التي يمليها التعسف في استخدام السلطة، والتي تزين للحاكم ان يحول نفسه الى »اله« بدل ان يكون الراعي، والى طاغية بدل ان يكون »الاب الصلح« وحامي حمى الدستور والحريات العامة وحقوق الانسان،
ولاننا ناضلنا طويلا حتى امكن اسقاط القانون الاستثنائي الذي فرضته ظروف استثنائية وبررتها مناخات الحرب الاهلية،
فاننا نضم صوتنا الى اصوات زملائنا من اهل القلم والرأي والفكر في مصر: ضد التشريع بسجن الصحافي اذا ما مارس نقد الحكم.
الصحافة هي المعارضة… لانها صوت الناس، اما الحاكم فله اعلامه متعدد الابواق، ومحتل المساحات جميعù على الورق وفي الاثير وفي الفضاء.
وفي الاحوال العادية فان التضييق على الصحافة خطأ سياسي قاتل، فكيف في لحظة احتدام المواجهة مع المشروع الصهيوني ومع الاجتياح الذي تشنه »واحة الديموقراطية في الشرق الاوسط« بدءù من مصر وانتهاء بمصر؟!
ولنا صباح يوم الثلاثاء موعد في نقابة الصحافة لكي يعلن لبنان تضامنه مع مصر الفكر والرأي والاجتهاد ومقاومة التطبيع، مصر الصحافة وحرية القوى وحرية المعرفة وحرية الاختلاف مع الحاكم، لا سيما متى اخطأ،
فالى اللقاء مع مصر، من اجل لبنان وكل العرب المحرومين من الحرية.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان