بعدما أتمت واشنطن استعراضها السياسي الباهر، فوق الأرض العربية والسمعة العربية والذاكرة العربية في شرم الشيخ المصرية، انفتح المسرح على مصراعيه للاستعراض العسكري الإسرائيلي على جبهة مفتوحة باتساع الكون كله.
ضابط الإيقاع الوحيد للحركة العسكرية الإسرائيلية، وحتى إشعار آخر، هو ميزان »الاستطلاعات« التي تحدد الموقع الانتخابي لشمعون بيريز في مواجهة منافسه الليكودي بنيامين نتنياهو، وسط »رأي عام« عصبي المزاج، متقلب الأهواء والمواقف.
هذه واحدة من أخطر النتائج التي تمخضت عنها قمة الإرهاب في شرم الشيخ، وأخطر ما فيها أنها تمت في ظل مشاركة عربية واسعة، نسبيù، وفي مناخ من التحريض »العربي«، ولو أنه ظل محدودù وصدر عن حكّام يحاولون تأخير الزلزال الذي يهز »عروشهم« من تحتهم:
بعض أولئك المشاركين العرب، بالاضطرار، تنبه متأخرù إلى خطورة »التواطؤ« الذي عرضت عليه واشنطن وتل أبيب أن يدخل طرفù مباشرù فيه.
والآن بات واضحù تمامù أن المدافع أو الطائرات الإسرائيلية ستقصف غدù »أهدافها« العربية والإسلامية المختارة بذخيرة »عربية«،
كذلك بات واضحù أن الدور المعروض على الحكّام العرب، أو مَن يرغب منهم، هو دور »المخبر«، وأن إسرائيل ستستخدمهم فقط لتصويب »الإحداثيات«، أو لطمس الجريمة بتزوير وقائعها وتبرئة القتلة واغتيال الضحايا… مرة أخرى بعد قتلهم بالغارات الإسرائيلية، وإن اتخذت شكل »العمليات الخاصة«..
إنه ليس »تطبيعù أمنيù«. إنه أدنى من ذلك بكثير، لأن ما تعرضه واشنطن وتل أبيب عبر صيغة »لجنة المتابعة«، هو أن تتولى أجهزة المخابرات الأميركية الإسرائيلية مباشرة »أمن« المنطقة العربية جميعù.
ويفترض بعض قصّار النظر أو من أعماهم الحقد على شعوبهم من الحكّام العرب أن هذه هي لحظة »الانتقام التاريخي« من خصومهم أو منافسيهم أو معارضيهم في الداخل، لا فرق بين أن يكونوا في منزلة »الآباء« أو »الأخوة« أو »أبناء العمومة« أو من »الرعايا« البائسين الذين قصدوا السماء بعد أن تيقنوا أن لا مكان لهم ولا دور في هذه الحياة الدنيا، وتجنّدوا لخدمة »كلمة ا”« بعدما طردتهم كلمة الحاكم من الأرض جميعù.
إن أعلى رتبة سيبلغها »الملك« العربي في هذه الشراكة الأمنية العتيدة لن تتجاوز رتبة »المقنع« التي لعبها بعض »المرضى« ممن جذبهم »السحر« الاسرائيلي فوشوا بإخوتهم وأصهارهم وخؤولتهم خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982.
لا ضرورة للقناع الآن، فالماشي في ركاب الإسرائيلي »مضمون«، بل هو من أهل المستقبل، وقد يسعده الحظ بتوسيع حدود »مملكته«، فإن تعذر التوسع فإن الاستمرار والاستقرار والازدهار ستكون كلها في متناول يده… ومجانù!
* * *
هل صارت »حماس« قوة دولية عظمى تستأهل استنفارù وحشدù وتحالفù دوليù يتجاوز كل ما اقامه الغرب، تحت القيادة الاميركية، من احلاف وتنظيمات ومؤسسات سياسية واقتصادية وإعلامية وأمنية، لمواجهة المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي، وهو في اوج قوته؟!
هل هي قوة »حماس« ام ضعف هذه الانظمة المتهالكة التي يخاف واحدها من مجموعة من المثقفين القائلين بضرورة التغيير او التطوير، او من بضعة رجال يدعون الى الشورى والرجوع الى الاسلام الصحيح كما في ايام الخلفاء الراشدين ويعترضون على تعسف الحاكم في استخدام صلاحياته والاستغناء بنفسه عن كل الناس، او من نفر من المجاهدين المؤمنين الذين وهبوا ارواحهم لله وقرروا ان يستشهدوا من اجل تحرير الارض المقدسة »من رجس الاحتلال الاسرائيلي«؟!
* * *
كل معارض في أي بلد عربي، صُنِّف الآن بأنه من »ناشطي حماس« او من مقاتلي »الجهاد الاسلامي«، ولسوف يبلغ اسمه الى »جهاز الامن المركزي الدولي« الذي سيتولى المسؤولية بعد اليوم عن المنطقة عمومù، انطلاقù من إسرائيل وانتهاء بها،
ولنتصور كمية الغرور التي يعاني منها اي حاكم عربي، يفترض انه في مثل اهمية اسرائيل للمصالح الاميركية او للادارة الاميركية… ومعها، او في ركابها، الغرب كله!
واذا كان الانصاف يقتضي التنويه بتحفظ بعض المسؤولين العرب ممن شاركوا في قمة الارهاب في شرم الشيخ، وبعدم انجرافهم الى حيث كانت تريد اسرائيل، فمن الضروري التنبيه الى خطورة المشاركة الاسرائيلية في القرار الامني العربي، سواء على مستوى هذا القطر او ذاك، او على المستوى الجماعي او »الاقليمي«، بلغة العصر الاسرائيلي.
ليس العرب مهزومين الى حد إلغاء انفسهم تمامù،
وليست اسرائيل مصدر طمأنينة لأي حاكم عربي يعاني من ازمة ثقة بينه وبين شعبه، بل العكس هو الصحيح: فأكثر الحكام العرب اطمئنانù الى وضعه الداخلي هو اكثرهم شجاعة في مواجهة اسرائيل، حتى وهي في ذروة قوتها »الدولية«.
بعد قمة شرم الشيخ كما قبلها ستظل اسرائيل هي اسرائيل، وان كانت ستغدو اكثر قدرة على التوسع والهيمنة وإلغاء الآخرين لاقامة شرق اوسطها الجديد.
فلماذا العجلة؟!
ولماذا يبادر هؤلاء الحكام المتطوعون لدور »المخبر« الى إلغاء أنفسهم سلفù، ومن قبل ان تقرر اسرائيل هل هي في حاجة اليهم أم لا، وفي اي موقع تحتاج اليهم فعلاً؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان