قطاع غزة ـ حلمي موسى
وجد الاحتلال في لبنان مركز مجابهة رئيس بعد نجاح اللبنانيين في طرد الاحتلال عام 2000، وكيف جاءت نتيجة حرب 2006 وهي كانت في نظر الاحتلال تعادلاً غير مقبول شكل بداية انكسار الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة.
وقد لعب لبنان بعد ذلك، وخصوصا حزب الله فيه، دوراً مركزياً في بلورة ما صار يعرف بمحور المقاومة. ولم يكن هذا أمرا عابراً حيث أثبتت الأيام بعد عملية “طوفان الأقصى” أن حزب الله وإيران أفلحا في إنشاء ما يطلق عليه قادة إسرائيل تسمية “طوق النار”.
وكانت عملية “طوفان الأقصى” الضربة التي أظهرت بعض مواطن ضعف الكيان وكيف أن التفوق التكنولوجي على أهميته لا يشكل عائقاً أمام المقاومة.
إن ما يجري في لبنان حالياً قد جرى التخطيط له منذ وقت طويل. ويبدو أن اسرائيل ولأنها تعتبر أن حزب الله أخطر أعدائها قد عملت طوال سنوات على الاستعداد لهذه المواجهة. وكثيرا ما سبق لإسرائيل أن نشرت خرائط وصور لما كانت تسميه قواعد حزب الله في لبنان.
وهكذا فإن الهجوم الإسرائيلي الوحشي على لبنان كان مقرراً بهدف إزالة قلعة عنيدة. وليس من باب الصدفة أنه وفي الساعات الأولى من 7 أكتوبر، وبعدما تبين الفشل الإسرائيلي في عملية “طوفان الأقصى”، كان التفكير الاسرائيلي بتوجيه ضربة ساحقة لحزب الله.
وكان أول خلاف بين نتنياهو والقيادة العسكرية حول هذا الموضوع. القيادة العسكرية طالبت بتوجيه جهدها الأساسي نحو حزب الله ولكنها اصطدمت برفض أمريكي وتفهم نتنياهو لهذا الرفض. ومن الواضح ان الضربة الأخيرة لحزب الله ليست مرتبطة بجبهة الإسناد التي فتحها الحزب لغزة وإنما بمكانته ودوره في محور المقاومة.
ورددت إسرائيل كثيراً بأن حزب الله هو الخطر الميداني الأكبر بعد الخطر النووي الإيراني. ومثلما كان الهوس في حكومة إسرائيل لجر أميركا إلى حرب مع إيران كان الهوس أيضاً لضرب حزب الله وإبعاد خطره.
وكان كثيرون في اسرائيل قد كرروا نظريات تطالب بتوجيه حرب ضد كل لبنان، ولكن ولاعتبارات سياسية إقليمية ودولية تسعى اسرائيل لقصر الهجوم على حزب الله وحده. والهجوم على حزب الله يطال على الأقل الطائفة الشيعية في كل مناطق لبنان مما يخلق وضعاً بالغ التعقيد. إذ يجرى تهجير سكان الجنوب والضاحية الجنوبية وهذا أمر يمس بما لا يقل عن نصف اللبنانيين.
غير أن كل ما تفعله اسرائيل يعجز عن تحقيق أي هدف جوهري غير التدمير ومزيد من التدمير. فما يجرى الحديث عنه عن حزام أمني في جنوب لبنان ومهما كان عمقه فهو لا يمنح الأمان لشمال إسرائيل.
في ما عدا الكثير من الاعتداءات الاسرائيلية السابقة على لبنان، هناك اجتياح الليطاني وتشكيل الحزام الأول، ثم حرب لبنان الأولى وتوسيع نطاق هذا الحزام. ومعروف ان ذريعة حرب 1982 كانت إبعاد المقاومة 40 كيلو متراً عن الحدود في الجنوب.
أما اليوم وفي ظل وجود صواريخ ومسيرات تطلق من اليمن والعراق وما بينهما يصعب اعتبار أي حزام أمني ذا قيمة يعتد بها. ومهما يكن من حال يمكن القول أن وحشية الاحتلال في قصف لبنان تستند إلى تقدير لديه بأنه سيجعل الحرب قصيرة قدر الإمكان فلا تتحول إلى حرب استنزاف طويلة.
وفي المقابل لا بد من الإشارة إلى أن ما تقوم به حكومة نتنياهو ليس أكثر من مقامرة ليست مضمونة النتائج. وما يجعل نتائجها خيبة هو استمرار الاستنزاف وقدرة حزب الله ومحور المقاومة على منع تمتع اسرائيل بمكاسب وتكبيدها أكبر قدر من الخسائر.