كلما ذُكرت كلمة »الارهاب« بإحدى اللغات الحية، كالانكليزية والعبرية، تحسس المواطن العربي عنقه، ووجم متوقعù قطع رأسه!
وكلما وقع انفجار في اي مكان في الدنيا، اوكلاهوما مثلاً، او نجح متآمر في اغتيال زعيم، رابين مثلاً، او ارتُكبت جريمة بشعة كالتفجير في اتلانتا، او نسف طائرة او سقوطها لخلل في المحركات، او خروج قطار عن الخط او اصطدامه بقطار آخر؛ رأى هذا المواطن العربي نفسه مدانù ومحكومù الى ان يثبت العكس.. وهيهات ان يثبت، فإذا ثبت طُمِس ولم يُعلن لتبقى الإدانة قائمة.
لم يتوحد النظام العالمي الا عليه،
ولم تتفق الانظمة المتناقضة في العقائد والمصالح الا على تجريمه وتجريده من حقوق الانسان.
الدائرة مكتملة ولا مخرج: فهو مسحوق في الداخل، ومطلوب في الخارج!
انه الضحية النموذجية للارهاب بشقيه المحلي والعالمي!
ثم انه يحاسب بمفعول رجعي وباعتبار انه كان ذات يوم، ثوريù او يساريù او مناديù بالكفاح المسلح او معاديù للامبريالية ومن قبلها للاستعمار القديم،
ويحُاسب أيضù بمفعول مستقبلي، اذ يُدان ابناؤه ويُحجر عليهم وكأنهم مصابون بالبرص او بالطاعون، بسببٍ من نسبهم او لون بشرتهم او ملامحهم »الشرق اوسطية«!
الدائرة مكتملة: فمفروض على اي رئيس عربي ان يبدأ حديثه مع اي طرف اجنبي يزوره (او يستقبله) من موقع دفاعي ضعيف: لست ارهابيù ولست مع الارهاب بل انا ضد الارهاب الذي يطاردني حتى باب قصري!
كذلك مفروض على اي مواطن عربي ان يجهر بموالاته لنظامه، كائنة ما كانت عيوبه وارتكاباته وبشاعات جرائمه، ليخلص من تهم خطيرة ابسطها انه »متطرف« او »متعصب« او »اصولي«… وربما انتهت بمعاداة السامية!
لا بريء بين العرب (والمسلمين) عمومù، حتى بين اولئك الهاربين من العروبة والاسلام الى فيء الجنسية الاميركية او الإقامة الاوروبية او المتنعمين بأفضال الاحتلال الاسرائيلي.
ان اكثر من نصف العرب عددù مدانون سلفù بأنهم ارهابيون متطرفون متعصبون: السوريون والعراقيون، نصف الفلسطينيين ونصف اللبنانيين، كل الليبيين وكل السودانيين، ثم الجزائريون، وبعض المصريين وبعض التوانسة وأخيرù أكثرية البحرينيين وبعض السعوديين الخ.
لا أحد يناقش او يريد ان يعرف الاوضاع البائسة التي يعيشها هؤلاء ومعهم سائر العرب والمسلمين (كالإيرانيين ونصف الأتراك، قبل الوصول الى افغانستان والشيشان الخ)،
لا أحد في الغرب مستعد للاعتراف بأن معظم هؤلاء »الارهابيين« انما هم ابناء مشوّهون للسياسة الغربية وضحايا هذه السياسة ومعتمديها من الحكام »الموثوقين«.
بل ان هذا الغرب قد سلم اسرائيل القضاء، فباتت هي الشرطة وهي النيابة العامة والقاضي الجالس الى المنصة وهي السجان او »السياف«.
بين مؤتمر لمكافحة الارهاب والمؤتمر الثاني مؤتمر ثالث، والمتهم دائمù واحد..
والاجراءات للمكافحة تتوالى لتشمل مختلف مناحي الحياة: الاقتصاد والأمن وأسباب التقدم العلمي والسياحة والسفر والسياسة بطبيعة الحال،
وللمؤتمرات الغربية امتدادها في المؤتمرات العربية لمكافحة الارهاب والارهابيين..
تضيق الدنيا وتضيق حتى لا يبقى امام هذا العربي (او المسلم) الا خيار وحيد: أن يفجر نفسه ليخلص من الموت اليومي والتهمة الابشع من الموت التي تطارده في بيته، في الشارع، في المطارات والموانئ كما في أي مكان قد يأخذه رزقه إليه.
انه متهم ومدان كفرد وكشعب، وأحيانù كدولة، واستطرادù كأمة.
كل عربي ارهابي. كل مسلم ارهابي. كل اسمر البشرة ارهابي.
لم يعد يشفع لهؤلاء النفط. لم تعد يشفع لهم انصياعهم لكل ما يُطلب منهم، في السياسة كما في الاقتصاد.
مع ذلك فهم الارهابيون وليس من يمارس عليهم هذا الحصار الخانق بالتهمة القاتلة.
وإذا كان »القاضي« هو بنيامين نتنياهو فمن يجرؤ على الطعن بعدالة الاحكام؟!
لا مجال للبراءة. لا مجال للرأفة والرحمة. لا مجال للأسباب التخفيفية، فأنت الارهابي بامتياز.
تمتع، اذù، بهذا الامتياز!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان