علينا الاعتراف بأننا نشهد انتصاراً مدوياً للاحتلال الأميركي في العراق عبر الفتنة التي تطحن وحدة شعبه وتاريخه الحديث. فالفتنة هي السلاح الفتّاك للقضاء على هوية العراق العربية ووحدة كيانه السياسي.
ولقد نجح الاحتلال الأميركي بالفتنة حيث أخفقت محاولاته بالعسكر والدبابات والطائرات والصواريخ العابرة للقارات.
حتى هزيمة الطاغية صدام حسين وسلطته الدكتاتورية التي تلفّعت بشعارات حزب البعث بعدما اغتالت منطلقاته الفكرية ومشروعه السياسي، لم تستطع أن تصفّي العروبة في العراق وإن كانت قد أساءت إليها كثيراً وشوّهتها وباعدت بين العراقيين وبين هذه النسخة الممسوخة منها… بل هي قد عهّرتها بالتظاهرات المنظمة بالمخابرات ونفاق السلطة والتزلّف للحصول على منافعها الكثيرة.
أما اليوم وباللجوء إلى سلاح الفتنة الفتاك فإن العروبة هي التي يُسفح دمها في أرض الرافدين وعلى مدار الساعة.
حتى انفصال الأكراد أو فصلهم عن العراق كان يستوجب تدمير الهوية الجامعة لهذا البلد العربي الكبير، وخصوصاً أن العروبة مؤهلة لأن توفر للأقليات القومية والعرقية الحل الذي يحفظ لها حقوقها الطبيعية داخل الكيان السياسي الموحّد بهويته العربية الجامعة.
كان لا بد أن يقسَّم العراقيون، اعتباطاً، إلى موالين للاحتلال ومنتفعين به، وإلى مقاومين ولو تحت عنوان المتضررين من سقوط الطغيان وبالشعار الاستفزازي والتحقيري الذي اعتمدته حكومة برايمر وصنائع الفترة الأولى من الاحتلال وهو: اجتثاث البعث والبعثيين .. والذي اتخذ على إطلاقه سياسة رسمية ضد كل من كان في السلطة أو في الحزب أو التنظيمات الشعبية التي أنشأها عهد الطغيان والتي كان الانتساب إليها إلزامياً وإلا فالتهمة جاهزة والحكم مبرم!
ثم تمّت مذهبة المقاومة فإذا هي سنيّة بالمطلق، في حين أدين الشيعة جميعاً بتهمة محاباة الاحتلال أو السير في ركابه والانتفاع بوجوده للانتقام من أخوتهم الذين غدوا الآن خصومهم بتهمة أنهم كانوا يحتكرون السلطة قبل الاحتلال.
لم يكن الاحتلال الأميركي وحده مَن خطّط وحرّض ونفّذ هذه السياسة، بل شاركه في هذه الجريمة أطراف عديدون بينهم جهات عربية وتيارات إيرانية وتنظيمات تتخذ من الشعارات الأصولية غطاءً لارتباطها بجهات أجنبية… فضلاً عن استدراج بعض الأقليات العرقية للمشاركة في جريمة تدمير العراق.
ولم تكن مصادفة أن توفر لمشروع الأقلية الكردية كل الضرورات اللازمة لتمكينها من الانفصال في دولة لم يعد ينقصها إلا اعترافات الدول بكيانها المستحدث..
كان ذلك الانفصال ضرورياً أيضاً لضبط حساب الفتنة: فيتم تقسيم المسلمين العراقيين بعدها إلى أقلية سنيّة و أكثرية شيعية..
بعد ذلك يصبح سهلاً بل ومطلوباً إسباغ الحماية على الأقلية السنيّة لحمايتها من الكثرة الشيعية… ويصبح بالإمكان إطلاق صيحات طلب النجدة وتوسيع إطارها حتى تبلغ مجلس الأمن، وكأن السنّة طارئون على العراق ومهددون بالإبادة على أيدي الشيعة الذين يتملّكهم شبق إلى السلطة يعمي عيونهم
وعقولهم عن حقائق حياتهم وعن هويتهم العربية الأصلية التي وحدها الباقية ووحدها الجامعة ووحدها المؤهلة لحماية وطنهم ودولتهم العربية.
كان لا بد من إسقاط الهوية العربية عن الشيعة ليصيروا طائفة لا تعرَّف إلا بذاتها: لا بأرضها ولا بتاريخها ولا بهويتها التي تخص السنّة (بمن فيهم الأكراد) بقدر ما تخصهم. وهكذا سادت بل عُمّمت تعابير منحوتة بعناية وبهدف سياسي مقصود: السنّة العرب و الشيعة كأنما الأخوة الأشقاء أبناء العشيرة الواحدة ينتمون إلى قوميتين مقتتلتين وإلى دينين محتربين، من الأزل وإلى الأبد!
… كل هذا والعرب غائبون. بل إن بعضهم حاضر كشريك في المؤامرة، وبذريعة تؤجج الفتنة وتعمّق أسبابها وتوسّع دائرة الحريق.
والهدف عروبة العراق أولاً، ومن ثم كيانه السياسي.
ولأن الهدف عروبة العراق فكل ضالع بهذه المؤامرة ليس مجرد عميل للاحتلال الأميركي، بل هو قبل ذلك وبعده يعمل في خدمة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
وذلك حديث آخر، لنا إليه عودة.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان