أغلب الظن أن أسامة المقدم لم يأخذه الرعب حين جاءه ملاك الموت، ولعله قد استقبله مرحباً: آنست وشرفت!
فالرجل الذي اختار حياته، بكل تفاصيلها، وتحكّم في علاقاته بالأمكنة والناس، فلم يذهب إلى حيث لا يجد لوجوده معنى ولم يتعلق إلا بمن يحب أو يحترم، كان مستعداً للمغادرة بغير وداع في أية لحظة… اجعل حياتك حياتك وعشها كما ترغب، فليس لأحد عليك حق الحساب. نفسك تحاسبك، والحساب الأخير مرجأ فلماذا تقبله من غير صاحبه!
مسح ذات يوم عن خريطة الدنيا موقع بلد عربي استدعاه لينفذ له بعض مشاريع الطموح الإمبراطوري… وبعد رحلات عدة تأكد له أن من يستدعونه غير جديين، وأن استمراره في التردد عليهم سيسيء إلى كرامته (ومزاجه) وعلاقاته العملية، فسامح أصحاب الدعوة بتكاليف رحلاته ولم يسامح نفسه على أنه قد تأخر في اتخاذ القرار الصحيح.
كانت الأندلس تحتل موقعا مميزا في مخيلته، لأسباب سياحية لا بسبب الرغبة في استعادة الفروس المفقود.
أما لبنان فهو قد اجتهد في نسيانه، لأنه يريد أن يبقى إنسانا يعيش بأفكاره ولأفكاره، لا بانتمائه الطائفي أو المذهبي، ولأنه كان يرفض أن يتحول الى فرد في رعية تتبع هذا السياسي أو ذاك، ويقف ببابه طلبا لفرصة عمل أو لوظيفة هي من حقه ولكن لا بد لها من »واسطة« لكي تصل إليه أو يصل إليها.
وداعاً أيها الطرابلسي المولد الأندلسي الهوى والذي أمضى معظم عمره في لندن، يحتسي شاي الكفار الأحمر ويستمع الى تلاوة من القرآن الكريم بالصوت الرخيم والأداء المميز للشيخ عنتر، الذي كان يجوِّد حتى الإطراب فتهتف »الله.. الله« بالنشوة أكثر مما بالإيمان.
والعزاء لزميلنا وأخينا الكبير أسعد المقدم، ولأسرة الفقيد الذي اختير له أن يدفن في الغربة حيث عاش.